Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Maison d'édition
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Année de publication
1315 هـ
والغناء فيطربون، فقال: لأنها مما عملت أيديهم ولأنه كلام المحبين قيل له: فما بالهم محرومين من أموال الناس فقال: لأن الله تعالى لا يرضى لهم ما في أيدي الناس لئلا يميلوا إلى الخلق فيقطعوا عن الحق تعالى فأفرد القصد منهم إليه اعتناء بهم.
ولما حضرته الوفاة دخل عليه أبو محمد الجريري رضي الله عنه فقال: ألك حاجة قال: نعم إذا مت فغسلني وكفني وصل علي فبكى الجريري وبكى الناس معه ثم قال له الجنيد وحاجة أخرى فقال: وما هي فقال: تتخذ لأصحابنا طعام الوليمة، فإذا انصرفوا من الجنازة رجعوا إلى ذلك حتى لا يقع لهم تشتيت، فبكى الجريري ثم قال والله لئن فقدنا هاتين العينين ما اجتمع منا اثنان أبدا قال أبو جعفر الفرغاني فكان والله كذلك الأمر بعد وفاة الجنيد وإنما كان كذلك الاجتماع ببركة الشيخ ورؤيته رضي الله عنه. قال الجريري وكان في جوار الجنيد رجل مصاب في خربة فلما مات الجنيد رحمه الله تعالى ودفناه ورجعنا من جنازته تقدمنا ذلك المصاب فصعد موضعا عاليا وقال يا أبا محمد أتراني أرجع إلى تلك الخربة وقد فقدت ذلك السيد ثم أنشأ يقول:
واأسفي من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون
والمدن والمزن والرواسي ... والخير والأمن والسكون
لم تتغير لنا الليالي ... حتى توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب ... وكل ماء لنا عيون
قال ثم غاب عنا فكان ذلك آخر العهد به رضي الله تعالى عنه.
ومنهم أبو عثمان الحيري النيسابوري
رضي الله تعالى عنه ورحمه
أصله من الري صحب قديما يحيى بن معاذ الرازي وشاه بن شجاع الكرماني ثم رحل إلى نيسابور قاصدا أبا حفص الحداد رضي الله عنه فزوجه ابنته وأخذ عنه طريقته وكان رضي الله عنه أوحد المشايخ في سيرته ومنه انتشرت طريقة التصوف في نيسابور. مات رحمه الله سنة ثمان وتسعين ومائتين بنيسابور.
ومن كلامه رضي الله عنه: لا يكمل الرجل حتى يستوي في قلبه أربعة أشياء المنع والعطاء والذل والعز وكان رضي الله عنه يقول: صحبت أبا حفص الحداد وأنا شاب فطردني مرة وقال: لا تجلس عندي فقمت ولم أوله ظهري، فانصرفت إلى ورائي ووجهي إلى وجهه حتى غبت عنه وجعلت في نفسي أن أحتفر حفيرة على بابه ولا أخرج منها إلا بأمره فلما رأى مني ذلك أدناني وجعلني من خواص أصحابه. وكان رضي الله عنه يقول: أصل العداوة من ثلاثة أشياء الطمع في المال وفي إكرام الناس وفي قبول الناس وكان يقول: الخوف من الله تعالى يوصلك إلى الله، والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله عز وجل، واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى، وكان يقول أنت في سجن ما تبعت مرادك فإذا فوضت وسلمت استرحت، وكان يقول: اصحبوا الأغنياء بالتعزز، والفقراء بالتذلل، فإن التعزز على الأغنياء تواضع والتذلل للفقراء شرف، وقيل له: هل يمكن العاقل أن يقيم العذر لمن ظلمه فقال: نعم يعلم أن الله تعالى هو الذي سلطه عليه، وكان يقول: من صحب أولياء الله تعالى وفق للوصول إلى الطريق إلى الله تعالى وكان يقول: لا يرى أحد عيب نفسه وهو يستحسن من نفسه شيئا وإنما يرى عيوب نفسه من يتهمها في جميع الأحوال.
وكان رضي الله عنه يقول: الزهد في الدنيا هو ألا يبالي بمن أخذها وكان يقول: إن الله تعالى يعطي الزاهد فوق ما يريد ويعطي المستقيم موافقة ما يريد، وكان يقول: من لم تصح إرادته لا تزيده الأيام إلا إدبارا عن الطريق طوعا أو كرها وكان رضي الله عنه يقول: إذا صحت المحبة تأكد على المحب ملازمة الأدب.
وكان يقول: السماع على ثلاثة أقام: قسم منها للمبتدئين والمريدين يستدعون بذلك الأحوال الشريفة ولكن يخشى عليهم في ذلك الفتنة والرياء.
والقسم الثاني للصادقين يطلبون به الزيادة في أحوالهم ويسمعون من ذلك ما وافق أوقاتهم. والقسم الثالث لأهل الاستقامة من العارفين رضي الله عنهم.
ومنهم أبو الحسين أحمد بن محمد النوري
رحمه الله تعالى ورضي عنه
بغدادي المنشأ والمولد يعرف بابن البغوي وكان من جملة المشايخ وعلماء القوم لم يكن في وقته أحسن طريقة منه ولا ألطف كلاما منه، صحب سريا السقطي ومحمد بن القصاب وكان من أقران الجنيد رحمه الله تعالى. مات سنة خمس وتسعين ومائتين. وكان يقول: أعز الأشياء في زماننا هذا شيئان عالم يعمل بعلمه
Page 74