إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم. رسائلُ الأسحارِ تُحملُ ولا يَدرِي بها الفلكُ، وأجوبتُها تَرِدُ إلى الأسرارِ ولا يعلَم بها المَلَكُ.
صَحائِفُنا إشارَتُنا (^١) … وأكثرُ رُسْلِنا الحُرَقُ
لأنَّ الكُتْبَ قد تُقرا … بغيرِ (^٢) الدَّمعِ لا تَثِقُ
لا تَزالُ القصصُ تُستعرَضُ وتوقَّع (^٣) بقضاء حوائج أهلِها إلى أن يطلُعَ الفجرُ. ينزل ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا، فيقول: هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفر فأغفِرَ له؟ هل من داعٍ فأجيبَ دعوتَه؟ إلى أن ينفجرَ الفجرُ (^٤). فلذلك كانوا يفضِّلون صلاةَ آخر الليلِ على أوله.
نحنُ الذين إذا أتانا سائِلٌ … نُولِيه إحسانًا وحُسْنَ تَكَرُّمِ
ونقولُ في الأسحارِ هل مِن تائبٍ … مُستغفرٍ لِينَالَ خَيْرَ المغنَمِ
الغنيمةُ تُقسَمُ على كلِّ مَن حضَرَ الوقعةَ، فيعطَى منها (^٥) الرجَّالةُ (^٦) والأُجراءُ والغِلمانُ مع الأمراءِ والأبطالِ والشجعانِ والفرسانِ، فما يطلُعُ فجرُ الأجرِ إلَّا وقد حاز القومُ الغنيمةَ، وفازوا بالفَخْرِ، وحمِدوا عند الصَّباح السُّرَى (^٧)، وما عند أهلِ الغَفْلَةِ والنومِ خَبَرٌ ممَّا جَرَى.
كان بعضُ الصالحين يقوم الليل، فإذا كان السَّحَرُ نادى بأعلى صوته: يا أيُّها الرّكبُ (^٨) المُعرِّسُون (^٩)، أَكُلَّ هذا الليل ترقُدُونَ؟ ألا تقومون فترحَلُون؟ فإذا سمِعَ الناسُ صوتَه وثَبُوا مِن فُرُشِهم؛ فيُسْمَعُ من هنا باكٍ، ومن هنا داعٍ، ومن هنا تالٍ،