فيا شَوْقًا (^١) إلى بلدٍ خَلِيٍّ … لَعلِّيَ باسْمِ مَنْ أَهْوَى أنادِي
كان داود الطائي (^٢) يقولُ في الليل: همُّكَ عطَّلَ عليَّ الهمومَ، وحالَفَ بيني وبين السُّهادِ، وشَوْقي إلى النظر إليك أوثَقَ منِّي اللذات، وحالَ بيني وبين الشهواتِ. وكان عُتبةُ الغُلامُ (^٣) يقولُ في مناجاتِه بالليل: إن تُعَذبْني فإنِّي لَكَ محبٌّ، وإن تَرحَمْني فإنِّي لكَ محبٌّ.
لَوَ انَّكَ أَبْصَرْتَ أَهْلَ الهوَىَ … إذا غَارَتِ الأَنْجُمُ الطُّلَّعُ
فهذا يَنُوحُ على ذَنْبِهِ (^٤) … وهذا يُصَلِّي وذا يَرْكَعُ
مَنْ لم يشاركْهُم في هواهم وذوق (^٥) حلاوة نجواهم، لم يَدْرِ ما الذي أبكاهم.
من لم يشاهد جمال يوسُفَ لم يَدْرِ ما الذي آلم قلبَ يعقوبَ.
مَنْ لم يَبِتْ والحبُّ حَشْوُ فؤادِهِ … لم يَدْرِ كيفَ تفتُّتُ الأَكْبَادِ
كان أبو سليمان (^٦) يقول: أهلُ الليل (^٧) في ليلهم ألذُّ مِن أهلِ اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاءَ في الدُّنيا (^٨). وسَطُ الليل للمحبِّينَ للخلوةِ بمناجاةِ حبيبهم، والسَّحَرُ (^٩) للمذنبين للاستغفار من ذنوبهم، فوسَطُ الليلِ خاصٌّ لخلوةِ الخواصِّ، والسَّحَرُ عامٌّ لرفعِ قَصَصِ الجميع، وبروز التواقيع لأهلها بقضاء الحوائج، فمن عَجَزَ عن مسابقةِ المحبِّينَ في مَيْدَانِ مِضْمارِهم فلا يَعجِزُ عن مشاركةِ المذنبينَ في استغفارهم واعتذارِهم. صحائفُ التائبين خدودُهم، ومدادُهم دموعُهُم. قال بعضهم: