إليهم به النفْعَ مِمّا هو عبادةٌ في نفسِه؛ كتعليم (^١) العلمِ، والجهاد، والأمرِ بالمعروفِ، والنَّهي عن المنكرِ، وهؤلاء أشرفُ القسمينِ، وهُم خُلفاءُ الرسُلِ، وهم الذين قال فيهم علي ﵁: صَحِبُوا الدُّنيا بأبدانٍ، أرواحُها معلَّقةٌ بالمحل الأعْلَى. وقد كان حالُ النّبيِّ ﷺ عندَ الذكر يتغيَّرُ، ثم يرجِعُ بعدَ انقضائه إلى مخالطَةِ النَّاسِ والقيامِ بحقوقهم.
ففي "مسند البزار" و"معجم الطبراني" عن جابر ﵁، قال: "كان النّبيُّ ﷺ إذا نزَلَ عليه الوحي قلتَ: نذير قومٍ [أتاهم العذاب]، فإذا سُرِّيَ عنه فأكثَرُ النَّاسِ ضَحِكًا، وأحسنهم خُلُقًا (^٢).
وفي "مسند الإمام أحمد" عن علي أو الزُّبير، قال: كان النّبيُّ ﷺ يخطُبُنا فيُذكِّرُنا بأيامِ اللهِ، حتى نعرِفَ ذلك في وجهِهِ وكأنَّهُ نذيرُ جيش (^٣) يُصبِّحُهم الأمرُ غُدْوَةً. وكان إذا كانَ حديثَ عهدٍ بجبريلَ لم يتبسَّمْ ضاحكًا حتى يرتفعَ عنه (^٤).
وفي "صحيح مسلم" عن جابرٍ ﵁، أن النّبيّ ﷺ كان إذا خطَبَ وذكر الساعةَ (^٥) اشتدَّ غضبُهُ، وعلا صوته كأنه منذرُ جيشٍ يقول: "صبَّحكم ومسَّاكم" (^٦).
وفي "الصحيحين" عن عَدي بن حاتم، أنّ النّبي ﷺ، قال: "اتقوا النَّار" قال: وأشاح، ثم قال: "اتقوا النَّارَ"، ثم أعرَضَ وأشاحَ - ثلاثًا - حتى ظننَّا أنّه ينظُر إليها. ثم قال: "اتقوا النّارَ ولو بِشِقِّ تمرةٍ، فمَنْ لم يجِدْ فبِكلمةٍ طيّبةٍ" (^٧).