ورُوي عن أبي إسماعيل الأنصاريّ (^١) أنه قال: لم يصحّ في فضل رجب غيرُ هذا الحديث. وفي قوله نظرٌ؛ فإنَّ هذا الإسنادَ فيه ضعفَ. وفي هذا الحديث دليلٌ على استحباب الدُّعاء بالبقاء إلى الأزمانِ الفاضِلةِ؛ لإدراكِ الأعمالِ الصَّالحةِ فيها؛ فإنَّ المؤمنَ لا يزيدُه عُمرُه إلا خيرًا، وخيرُ الناسِ مَن طالَ عمرُه وحَسُنَ عَمَلُه. وكان السَّلفُ يَستحبُّون أنْ يموتوا عَقِبَ (^٢) عمل صالح؛ مِن صَوم رمضانَ، أو رُجوع من حجٍّ، وكان يقال: مَنْ ماتَ كذلك غُفِرَ له.
كان بعضُ العلماءِ الصالحين قد مرِضَ قبلَ شهرِ رجب، فقال: إنّي دعوْتُ الله أن يؤخِّرَ وفاتي إلى شهر رجبٍ، فإنه بلغني أن لله فيه عُتقاء؛ فبلَّغَهُ الله ذلك وماتَ في شهر رجبٍ.
شهرُ رجبٍ مفتاحُ أشهرِ الخَيرِ والبركةِ؛ قال أبو بكر الورَّاقُ البَلْخِيُّ: شهرُ رجبٍ شهرُ الزرعِ، وشهرُ شعبانَ شهرُ السَّقي للزَّرْعِ، وشهرُ رَمضانَ شهرُ حصادِ الزرْعِ. وعنه قال: مَثَلُ شهرِ رجبٍ مثلُ الريحِ، ومثلُ شعبانَ مثلُ الغَيْمِ، ومثلُ رَمضانَ مثلُ المطر (^٣). وقال بعضُهم: السَّنةُ مثلُ الشجرةِ؛ وشهرُ رجبٍ أيَّامُ تَوْرِيقِها، وشعبانُ أيَّام تفريعها، ورمضانُ أيَّامُ قطفِها، والمؤمنون قِطافُها. جَديرٌ بِمَنْ سوَّدَ صحيفتَه بالذنوبِ أنْ يُبيّضَها بالتَّوْبةِ في هذا الشهر، وبِمَنْ ضَيَّعَ عُمُرَهُ في البَطالة (^٤) أن يغتنِمَ فيه ما بقي من العمرِ.
بَيِّضْ صَحِيفَتَكَ السودَاءَ في رَجَبٍ … بصالحِ العَمَلِ المُنْجِي مِنَ اللَّهبِ (^٥)