[خطب ربيع الآخر]
الخطبة الأولى للجمعة الأولى من شهر ربيع الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يجدد الأيام، ويجيء بالشهر بعد الشهر؛ ليتنبه كل من نوم الغفلة، ويهيئ أسباب السفر، وخلق ما لا يقدر أحد على خلقه من الحجر والشجر، وصنع ما لا يصنعه أحد من المدر والثمر، خلقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منها الأنثى والذكر، فسبحانه من من إله دائم صاحب القوى والقدر، كيف أحمده؟ وكيف لا أحمده؟ جعلنا من أمة سيدنا الأنبياء الذي نطق برسالته الضب، وخاطبه الظبي بأفصح كلام، وبكى لفراقه الجذع، وسلم عليه الحجر.
نشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ولا ضد له، ولا ند له ، ولو كان لما دار الفلك ولا الطائر تطير، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي بعث رحمة للعالمين، خوف المنافقين من النار، وبالجنة لأهل الإسلام بشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دار الفلك المدور.
أما بعد:
معاشر الحاضرين قد ذهب شهر ربيع الأول، وجاء شهر ربيع الآخر، وما هذا إلا علامات الرحيل والسفر، فيا من له عقل سليم، وطبع مستقيم، هذا أوان العبرة والنظر، فاعتبر.
أما قرع سمعك أن الدنيا دار فناء ورحيل، كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل، أما سمعت أن الدنيا دار المحن والفتن والأكدار والحزن، دار الهم والغم والمكر والغرر.
Page 55