يا مسكين، يا من نفسه بما كسب رهين، مالك لا تخشى الأهوال التي ترد عليك وشدائد الدهور، فواأسفاه على التكاسل في الطاعات وارتكاب الفجور، أما تعترف بالممات بعد الحياة، وأنك غريب أو كعابر سبيل على قنطرة العبور، أما قرع سمعك ما يمر عليك في القبور إذا دفنتك الأعزة وأقبرتك الأحبة، وبقيت وحيدا فريدا متوحشا متنغصا؛ تريد الرجعة، وما تنالها وأنت مجبور، أذكر ضغطة القبر، فأنها لوقعة شديدة، ومصيبة عظيمة، تختلف منها أضلاعك وتتكسر بها أعضاؤك، فأنت مقهور ومكسور، والقبر أول منزل من منازل الآخرة من نجا فيه فما بعده أيسر منه، ومن هلك فيه فما بعده أشد منه، روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، ذات الشدائد والشرور، وبعد ذلك يوم عظيم كربه شديد هوله: يوم البعث والنشور يوم الحساب والمناقشة، يوم المطالبة والمحاسبة، يوم يبعث فيه في القبور.
تذكر إذا جمعت الخلائق صفا صفا، ودكت الأرض دكا دكا، وجاء ربك والملائكة صفا صفا، وجيء بجهنم ذات الزفرة والشرور، فترى عند ذلك كل أمة جاثية تراهم سكارى من شدة الهيبة وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله أوقعهم في الحيرة، فعند ذلك ينادي كل نفس نفسي نفسي إلا من فضله الله بالشفاعة العظمى يوم النشور.
فياأيها الغافل؛ اترك الدعوى، ولا تتبع الهوى، واجتنب إلاثام والفجور، فمن اتقى ربه وجاهد نفسه، فاز بالجنة ذات الحور والقصور، ونال السعادة التي لا تفنى ودوام السرور.
Page 51