فإذا أقبرك الأصحاب وولى عنك الأحباب، أتاك ملكان أسودان أزرقان فظان غليظان، فيسألانك عن دينك، وعن نبيك، وعن ربك الجليل، فإن أجبتهم بالصواب ظفرت بالثواب، وإن زلت لسانك عذبوك بالعذاب الوبيل، فالعجب منك كل العجب يا مسكين، أنت مع ذلك في اللذات، ومصر على السيئات لا تبالي بقلة الزاد والحسنات، ولا تخشى المولى الجليل، أما إن وراءك نارا تنزع اللحم وتخرق الجسد، كلما نضجت(1)جلود أهل النار بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب الوبيل، فعند ذلك يكثر البكاء والنحيب، وتعمهم النار واللهيب، ويكون العزيز في الدنيا كالعبد الذليل، فحينئذ تتأسف كل الأسف، ولا ينفع منك الأسف ودمعك على خديك يسيل، تقول: يا ليتني كنت ترابا، وتقول: يا ليتني كنت حبابا، أو تقول: يا ليت أمي لم تلدني، فيناديك مناد: هذا ما وعد ربك، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ هذا جزاء ما اكتسبته، وضيعت العمر القليل.
Page 27