24

معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه

معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه

Maison d'édition

مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

Numéro d'édition

السنة الثامنة والعشرون-١٤١٧هـ

Année de publication

١٤١٨هـ

Genres

وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ١. وَكَانَ تَوْجِيه لُقْمَان لِابْنِهِ بقدرة الله ﷾ وإطلاعه على سَعَة علمه عزوجل عِنْدَمَا قَالَ ابْن لُقْمَان لِأَبِيهِ: يَا أَبَت إِن عملت الْخَطِيئَة حَيْثُ لَا يراني أحد كَيفَ يعلمهَا الله؟ فَقَالَ لُقْمَان: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ...﴾ فمازال ابْن لُقْمَان يضطرب حَتَّى مَاتَ٢. وَفِي قَوْله تَعَالَى: ﴿حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَل﴾ ٣، إِشَارَة إِلَى دقة الْحساب وعدالة الْمِيزَان مَا يبلغهُ هَذَا التَّعْبِير المصور حَبَّة من خَرْدَل، صَغِيرَة ضائعة لَا وزن لَهَا وَلَا قيمَة ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَة﴾ أَي صلبة محشورة فِيهَا لَا تظهر وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ ...﴾ فِي ذَلِك الكيان الهائل الشاسع الَّذِي يَبْدُو فِيهِ النَّجْم الْكَبِير ذُو الجرم الْعَظِيم نقطة سابحة أَو ذرة تائهة ﴿أَو ْفِي الأَرْض﴾ ضائعة فِي ثراها وحصاها لَا تبين ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ فَعلمه يلاحقها وَقدرته لَا تفلتها٤. وَيُرَاد من ذَلِك الْأَعْمَال، الْمعاصِي والطاعات، أَي إنْ تَكُ الْحَسَنَة أَو الْخَطِيئَة مِثْقَال حَبَّة يَأْتِ بهَا الله، أَي لَا تفوت الْإِنْسَان الْمُقدر وُقُوعهَا مِنْهُ، وَبِهَذَا الْمَعْنى يتَحَصَّل فِي الموعظة الترجية والتخويف٥. وَيدْرك الْإِنْسَان من مَعْرفَته لقدرة الله ﷿ مراقبة الله الدائمة لَهُ فِي كل تصرف، مراقبة الله لَهُ فِي الصَّغِيرَة والكبيرة، وَفِي الْجَهْر والخفاء. وَلذَا فَهُوَ يراقب الله وهم يعْمل ... فَلَا يعْمل شَيْئا بِغَيْر إخلاص، لَا يعْمل شَيْئا يقْصد الشَّرّ ... لَا يعْمل مستهترًا وَلَا مستهينا بالعواقب، وَلَا يعْمل

١ - سُورَة فاطر: آيَة (١١) . ٢ - الْقُرْطُبِيّ: الْجَامِع لأحكام الْقُرْآن ١٤/٦٧. ٣ - سُورَة لُقْمَان: آيَة (١٦) . ٤ - سيد قطب: فِي ظلال الْقُرْآن ٥/٢٧٨٩. ٥ - الْقُرْطُبِيّ: الْجَامِع لأحكام الْقُرْآن ١٤/٦٧.

1 / 448