واجتزأ من علم الفقه بحفظ مختصر، ولولا الجاري عليه بسببه لما صبر.
ومنهم من صعب عليه أيضا حفظ المختصر [ورفع نفسه عنه]، فنظر في بعض نكت الخلافيين المتأخرين، العارية عن مآخذ الأئمة وفقه المتقدمين، وعد نفسه - لغرابة ما أتى به - من رؤوس العلماء، وهو عند الله تعالى وعند علماء الشريعة من أجهل الجهلاء، قد حرم أنفاس أهل الدين والعلم الفاخر، ورضي مما هم عليه بإطلاق اسم المستدل المناظر.
واكتفى من علم العربية بالنظر في مقدمة يزعم أنه يصلح بها لسانه، ويقوى بها عند الجدال جنانه، وصدف عن الكتب النفيسة الكافلة بنفائس هذا الشأن، وعن الاشتغال بعلمي اللغة والبيان، اللذين بهما يفهم الحديث والقرآن.
وأما علم أصول الفقه فقد هجر هجرا، فلا تكاد تسمع له ذكرا، إلا
بأبحاث خارجة عنه، وإن كانت قد سطرت فيه حتى حسبت أنها منه.
فليتدبر ما قلناه طالب العلم، وليتهم نفسه بالتحصيل، فكل علم من هذه العلوم بحر زاخر، ولا يحصل على درره إلا كل سابح غواص ماهر، قد مرت عليه أزمنة في ملازمة الطلب، وطول / النصب والتعب، من التكرار والبحث والشرح والمراجعات، ومذاكرة العلماء وكثرة المطالعات، مع الأهلية التامة من صحة الذهن وحدته، وطول الفكر منه وحسن نيته، فيراجع ما أشكل عليه ويحققه، وإذا عد تنبيه من نبهه على خطئه فائدة منه وشكره عليها فالله يوفقه.
1 / 94