Le Discours et le Changement Social
الخطاب والتغير الاجتماعي
Genres
وتعتبر النوعية من الأبعاد الرئيسية للخطاب، وهي تتمتع بموقع مركزي وانتشار كبير فيه بصورة تفوق ما تنسبه التقاليد لها. ومما يدل على أهميتها الاجتماعية مدى ما تتعرض له النوعية في المقولات من منازعات ومدى ما تتيحه من صراعات وتحولات. فالتحولات في النوعية، على سبيل المثال، واسعة الانتشار في أنباء أجهزة الإعلام. ويقدم هودج وكريس (1988م، 148-149) مثالا من تصريح أدلى به مايكل فوت عندما كان رئيسا لحزب العمال البريطاني، وهو تصريح يتميز بصيغة نوعية بارزة تفيد انخفاض مستوى الارتباط (إذ يقول «أظن، بصفة عامة، أن أحد العوامل التي أثرت في الانتخابات كان يتعلق ببعض المسائل التي حدثت في المجلس المحلي لمدينة لندن الكبرى») وقد تحول هذا التصريح إلى عنوان صحفي يتسم بالحسم والقطع وهو «فوت يهاجم «كين» الأحمر لدوره في الهزيمة الساحقة في الانتخابات» (وأما «كين الأحمر» فالمقصود به كين ليفنجستون، رئيس إدارة حزب العمال في المجلس المحلي لمدينة لندن في أوائل الثمانينيات، وكان شخصية خلافية) (والأحمر تعني الشيوعي).
وإذا تجاوزنا الأمثلة المعينة، وجدنا خصائص عامة ترتبط بالنوعية في ممارسات أجهزة الإعلام، إذ تزعم هذه الأجهزة عموما أنها تتعامل مع الوقائع والحقائق وكل ما يتصل بالمعرفة، وهي تحول بانتظام أمورا لا تزيد عن كونها، في حالات كثيرة، مجرد تفسيرات لأحداث معقدة تثير البلبلة، إلى «وقائع» أو «حقائق». ويعني هذا، من زاوية الصيغ النوعية، إيثار الصيغ القاطعة، والمقولات المثبتة والمنفية، على نحو ما يوضحه المثال الأخير، ومن ثم فهي لا تتضمن إلا القليل نسبيا من عناصر الصيغ النوعية المألوفة (مثل الأفعال المساعدة النوعية، والأحوال والصفات وأدوات المراوغة وهلم جرا). ويعتبر هذا أيضا إيثارا للصيغ النوعية الموضوعية، وهي التي تسمح بتعميم المنظورات الجزئية.
فلنعرض لمثال محدد. كان مؤتمر القمة الذي عقده حلف شمال الأطلسي (الناتو) يوم 30 مايو 1989م قد ناقش قضية خلافية، وهي الموقف التي ينبغي للحلف أن يتخذه إزاء مفاوضات تقليل عدد مواقع الصواريخ النووية قصيرة المدى في أوروبا. وقد قيل: إن المؤتمر نجح في حل الخلافات مثلما قيل إنه أخفاها، كما فسره البعض بأنه كان يمثل انتصارا لبريطانيا أي للموقف المتشدد الذي اتخذته حكومة السيدة ثاتشر. وفيما يلي بعض العناوين الصحفية: اختتام مؤتمر قمة الناتو بحل وسط عسير (صحيفة
الجارديان )؛ الانتصار النووي لثاتشر في معركة بروكسيل (صحيفة
الديلي ميل )؛ بوش يرحب بوحدة حلف الناتو بعد تسوية الخلاف على الصواريخ (صحيفة
الديلي تليجراف ). إن كل عنوان يقدم «قراءة» مختلفة لمؤتمر القمة، ولكن كلا منها يستعمل صيغة نوعية قاطعة. لاحظ أن صحيفة
الديلي ميل «تفترض مسبقا» في الواقع أن ثاتشر قد حققت انتصارا نوويا في معركة بروكسيل، بدلا من القول بهذا، ولنا أن نعتبر أن الافتراض المسبق يتقدم بالنوعية القاطعة خطوة ما دام يسلم بأن الأقوال حقائق واقعة. وقد يعترض معترض على هذه الأمثلة قائلا: إن النوعية القاطعة قد اقتضتها طبيعة الاختصار والتلخيص في العناوين، وليست من نتائج خطاب أجهزة الإعلام في ذاته، ولكن أليست العناوين مجرد جانب أو مثال شديد الوضوح للاتجاه العام للخطاب الإعلامي؟ فالصحف أحيانا ما تقدم صورا متضاربة للحقيقة (وإن كانت كثيرا ما توفق بينها ) وتقوم كل صورة من هذه الصور على الزعم المضمر الفاسد الذي يقول إنه يمكن تمثيل الأحداث بشفافية وأسلوب قطعي، وإن المنظور يمكن تعميمه. هذه هي الخرافة التي يقوم عليها عمل أجهزة الإعلام: أي تقديم صور وفئات للواقع، وتحديد مواقع الذات الاجتماعية وتشكيلها، والإسهام في الغالب الأعم في السيطرة الاجتماعية وإعادة الإنتاج الاجتماعي.
وإن دل مثال الخطاب الإعلامي المذكور على شيء فإنما يدل على أن النوعية ليست مجرد مجموعة من الخيارات المتاحة للمتكلم أو للكاتب بهدف تسجيل درجات الارتباط، إذ إن هذا الاقتصار على هذا المنظور القائم على الاختيار وحده يعني تجاهل المغايرة بين ممارسات الصيغ النوعية التي نجدها بين أنماط الخطاب المختلفة، وتجاهل مدى ما يتعرض له من يستخدمون أنماطا خطابية معينة من فرض ممارسات صيغ نوعية محددة عليهم. والكتابة الأكاديمية مثال آخر: إذ إننا نجد في الكتابة الأكاديمية تقليدا مألوفا ولا يزال ذا نفوذ كبير (على الرغم من انتقاده على نطاق واسع) يقضي بتجنب الصيغ النوعية القاطعة، باعتبار ذلك من المبادئ الأساسية. وقد يقال: إن ذلك له أسباب بلاغية، إذ إن من ورائه دافعا يتمثل في رغبة الباحث في توخي الحذر، وهو صفة حميدة، واجتناب الذاتية، وتأكيد الجو المرتبط بالبحث الأكاديمي، لا الرغبة في التعبير عن انخفاض مستوى ارتباطه بمقولاته. (للاطلاع على بلاغة الكتابة الأكاديمية، والكتابة العلمية خصوصا انظر كتاب
الاقتصاد والمجتمع
1989م.) (8) التأدب
Page inconnue