Pensées d'un Âne
خواطر حمار: مذكرات فلسفية وأخلاقية على لسان حمار
Genres
وبحثوا عني كما بحثوا في المرة الأولى ودهشوا، وظنوا أن لصا ماهرا سرقني وجعلني أخترق سياج الزريبة.
وقال سيدي صاحب المزرعة بلهجة حزن وأسف: إن حمارنا اختفى هذه المرة نهائيا، ولا أظنه يستطيع النجاة مرة ثانية، إذ لا يمكن أن يعود من فتحات السور لأنني سددتها كلها سدا محكما.
وذهب إلى السوق في هذه المرة متنهدا، وناب عني أيضا في جر العربة واحد من خيوله.
وكما فعلت في المرة الأولى خرجت من الحفرة حين ذهب كل من كان قريبا مني، ووجدت من حسن الرأي في هذه المرة ألا أعلن عن عودتي بالنهيق «هي هان!» كما فعلت في المرة الأولى.
ولما رأوني آكل البرسيم بهدوء واطمئنان في المرج، وحين علم سيدي أنني رجعت بعد ذهابه إلى السوق بغير تأخير؛ صرت أراهم يشكون في أمري، ولم أجدهم يلاطفونني كما فعلوا في المرة الأولى، وكانوا ينظرون إلي نظر الارتياب، ولاحظت جيدا أنني أصبحت مراقبا بحالة لم تكن من قبل، فاستهزأت بهم وقلت في نفسي: «أيها الأصحاب الأعزاء، لأنتم أشد مكرا مني إذا أمكنكم أن تكتشفوا محل اختفائي، ولكنني سأريكم أنني أشد مكرا وحيلة، وسأعود إلى الضحك عليكم ثانيا وأستمر عليه دائما.»
واختبأت مرة ثالثة وأنا مسرور كل السرور بمهارتي، ولكنني لم أكد أنزل في حفرتي حتى سمعت نباحا شديدا من كلاب الحراسة، وسمعت أيضا صوت سيدي يقول: «أوقعه وأمسك به، وانزل معه في الحفرة، وعضه في قوائمه، وجره يا كلبي العزيز، أحسنت وبوركت.»
وما لبث الكلب الخبيث حتى أطاع في سيده، فإنه نزل إلي في الحفرة ثم عض قوائمي وبطني، وكاد يفترسني لو لم أطاوعه في الخروج من الحفرة، ثم بادرت وجريت إلى الزريبة أبحث فيها عن طريق أفتحه لنفسي، ولكن كان صاحب المزرعة يرصدني فضربني بالكرباج وأوقفني حالا وهو مسلح بكرباج يروعني به، واستمر الكلب يعضني وسيدي يزجرني، فندمت على ما كان من كسلي، ثم صرف سيدي كلبه وكف عن الضرب، وربطني من رقبتي وجرني وأنا في غاية الخوف والألم إلى العربة التي كانت تنتظرني.
وعرفت من ذلك أن واحدا من أولاده كان مكلفا بالانتظار في الطريق بقرب سور الزريبة، لكي يفتح لي بابا فيها إذا رآني عائدا، ولكنه لما أبصرني خارجا من الحفرة عرف أباه المستبد.
فحقدت عليه ما ظننته خبثا منه، ولكن الحوادث والتجارب ردتني إلى الحلم وجعلتني أعدل في الحكم عليه.
ومن ذلك اليوم أصبحوا قساة علي وأرادوا أن يحبسوني في الزريبة، ولكنني وجدت لنفسي الطريق إذ كنت أقرض بأسناني أطراف السور، ثم أدخل في كل مكان وأخرج من كل ناحية كما أشاء.
Page inconnue