أحمد بن حنبل فلم يتصرف في الحكم بتعديته إلى غيره بل أخرج الاستدبار عن عموم النهي بفعله ﷺ وأبقى سائر الصور تحت النهي. والحاصل أن الأصل في الأحكام لما كان أن يعلل وجب تعليل النهي الوارد في ذلك فسوينا بين الاستقبال والاستدبار والصحراء والبنيان وفعل الشافعي كذلك غير أنه حمل المطلق على المقيد فأخرج الكنف وكل منا ومنهم يفتقر إلى الجواب عما يخالف مذهبه ولم يستثن ابن حنبل غير الصورة الواحدة فقط جريًا على أصله المذكور من عدم التعليل وأنت تعلم أن رأي أبي أيوب الراوي يوافق رأي الحنفية حيث استغفر في استقبال مراحض الشام ولولا أنه عم النهي عنده لما فعل ذلك وكان استغفاره لما يقع في أول وهلة من جلوسه من استقبال القبلة وكان استغفار هذا بقلبه إذ ليس ذاك بمقام تكلم أو يكون ثمة بقلبه ثم بعد الخروج منه بلسانه.
[قوله فرأيته قبل أن يقبض بعام إلخ] ظاهره معارض بما سلف من النهي فيرجح القول على الفعل لاحتمال الخصوص ولأن عين الكلمة لعله كان بمرأى منه ﷺ فمال عنه (١) ولم يتنبه لذلك الراوي الذي رآه ﷺ فظنه مستقبلًا فكما أن
_________
(١) أو كان مائلًا عنه بخصوص الذاكرة قال ابن عابدين: ونص الشافعية على أنه لو استقبلها بصدره وحول ذكره عنها وبال لم يكره بخلاف عكسه أي فالمعتبر الاستقبال بالفرج وهو ظاهر قول محمد في الجامع الصغير يكره أن يستقبل القبلة بالفرج في الخلاء، انتهى.
1 / 41