[إذا أتيتم الغائط إلخ] لما كانت حالة كشف العورة هيئة منكرة يستحي منها وجب التحرز عن استقبال القبلة واستدبارها لئلا يقابل البيت بشتى مستهجن قيح، وكذلك عند الجماع والبول وإن لم يلزم فيه عند الاستدبار مقابلة البيت بشيء سوء وذلك لما فيه من سوء الأدب، ثم إن العلماء اختلفوا فيما بينهم في كون هذا النهي مطلقًا أو مقيدًا فقال الإمام الهمام أبو حنيفة المقدام رضي الله تعالى عنه: أن النهي عام فلا يجوز الاستقبال ولا الاستدبار مطلقًا لا في البنيان ولا في الفيافي، وهذا مبني على أصل له وهو أن أحكام الشرع معللة إلا نادرًا حيث لم يعلم لنا علة وإن كان في نفس الأمر معللًا أيضًا فالنهي عن استقبال القبلة واستدبارها مبني على علة تعم الكنف والفيافي، وأجابوا عن الأحاديث التي وردت على خلاف ذلك بأجوبة سترد عليك تفصيلها إن شاء الله تعالى، والشافعي رحمه الله تعالى فقد علل النهي كما عللنا غير أنه قال الاستقبال والاستدبار كلاهما سواء ولكن النبي ﷺ لما رخص في الاستقبال بفعله لزم الترخص في الاستدبار أيضًا لاستوائهما فوجب الجمع بين الروايات بحمل النهي عن الفيافي والإجازة على الكنف فهذا ناش على أصله من حمل المطلق على المقيد ولكننا لما لم نقل به أجرينا المطلق على إطلاقه، وأما (١)
_________
(١) قلت: اختلفت الروايات عن الإمام أحمد بن حنبل في ذلك كما بسطت في أوجز المسالك إلى مؤطأ فأحداهما لا يجوز الاستقبال مطلقًا لا في الصحارى ولا في العمران ويجوز الاستدبار فيهما، والثانية أن النهي للتنزيه، والثالثة يحرم الاستقبال والاستدبار بشرطين: الأول أن يكون في الصحراء، والثاني أن يكون بلا حائل ويكفي إرخاء ذيله والاستتار بداية وجبل كذا في نيل المآرب، وفي الروض المربع: يحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان ويكفي انحرافه عن جبهة القبلة وحائل ولو كمؤخرة الرحل انتهى، فهذه الرواية مختار فزوعه، والرابعة النهي مطلقًا كقول الحنفية وهي مختار ابن القيم. والظاهر أن الرواية التي ذكرها الترمذي هي الرواية الأولى، وما أفاده الشيخ فلعله رواية عنه لكثرة الروايات عنه في ذلك.
1 / 40