(( و)) الثاني: أن (( لا )) يكون الأصل (( معدولا به عن سنن القياس )) المعهود في الشرع، فلا بد أن يكون مما يمكن الإطلاع على علة شرعه، فإن كان مما لا يمكن فيه ذلك لم يصح القياس عليه. إذ القياس فرع تعقل العلة كما تقدم.فلا يصح القياس على القسامة، والشفعة. لأنهما معدولان عن سنن القياس الشرعي .ألا ترى أن القسامة تجب على من لم يدع عليه ولي الدم القتل .والقياس أن الحق لا يجب إلا على من ادعي عليه .وأيضا لا تسقط بها عنهم الدية، بل تلزمهم وإن لم يبين مدعيها. والقياس أن الحق يسقط باليمين إذا لم يبين المدعي . وأيضا وجبت على عدد مخصوص وجعل الخيار إلى ولي الدم فيمن يحلف. وكل ذلك مخالف للقياس الشرعي .
وكذلك الشفعة مخالفة للقياس في وجوبها للشريك والجار، ولا سبب له من إرث أو غيره . وكذلك وجوب الدية على العاقلة في جناية الخطأ، حيث وجبت على غير الفاعل، وكأعداد الركعات في الصلاة، فإنه لا يعقل علة جعلها على العدد المخصوص، ولم جعل الركوع مفردا والسجود مثنى، ونحو ذلك .فلا يصح القياس على ما هذا حاله لعدم تحقق المعنى كما بينا .
(( و)) الشرط الثالث: أن (( لا )) يكون الأصل المقيس عليه
(( ثابتا بقياس )). إذ لو كان كذلك لم يصح القياس عليه. إذ لو لم تنته الأصول إلى أصل منصوص عليه بل إلى مقيس، والمقيس إلى مقيس، ثم كذلك تسلسل القياس إلى مالا نهاية له .وذلك يؤدي إلى بطلان القياس .
وإن انتهى إلى أصل، فإما أن تتحد العلة في القياسين أو تختلف ؟
إن اتحدت كان ذكر الوسط - أعني - ما هو أصل في قياس، وفرع في آخر ضائعا، لإمكان طرحه وقياس أحد الطرفين على الآخر .
مثال ذلك ما يقال في السفرجل: مطعم فيكون ربويا كالتفاح. فيمنع كون التفاح ربويا، فيقال : لأنه مطعوم كالبر. فهذا باطل .لأنه كان يمكن أن يقاس السفرجل على البر من أول الأمر، فذكر التفاح عري عن الفائدة فيكون ضائعا .
Page 63