وأما بيان وقوعه من الصحابة فمن ذلك حديث معاذ بن جبل حين وجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن حين قال له:
( بم تقضي فيهم ؟
قال : بكتاب الله .
قال: فإن لم تجد ؟!
قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال : فإن لم تجد ؟!
قال: أجتهد رأيي - ولم ينكره صلى الله عليه وآله وسلم بل قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله ) . فكان ذلك تقريرا لمعاذ على العمل بالقياس، وهذا أقوى دليل عليه. إذ لم ينكر هذا الحديث أحد، بل تلقته الأمة بالقبول. ومنه قول أبي بكر في الكلالة: أقول فيها برأيي. وقول عمر: أقضي فيها برأيي .وقول علي عليه السلام في أم الولد: كنت أرى أن لا تباع ثم رأيت بيعها. فصرح بأن ذلك عن رأي لا عن نص .وأيضا فإنهم اختلفوا في إرث الجد مع الأخوة، وفي الحرام للزوجة، وفي انعقاد الإيلاء، هل مؤبد، أو يصح بأربعة أشهر، أو بدونها ؟ على أقوال بنوها على القياس لا على النص.وغير ذلك كثير مما يفيد التواتر المعنوي على وجوب العمل به. كما هو مقرر في بسآئط هذا الفن. على أن فيما ذكرناه كفاية. والله أعلم .
(( ولا يجري القياس في جميع الأحكام الشرعية )) أي لا يصح القياس عليها أجمع. (( إذ فيها )) أي: الأحكام (( مالا يعقل )) معناه، كالدية فإنه لا يعلم وجه فرضها على القدر المعلوم من كل جنس، والصفة المحدودة، ونحو ذلك مما لا يعقل معناه من الأحكام كثير. ومهما لم يعرف الوجه لم يعرف القياس .(( والقياس فرع تعقل المعنى )) أي: العلة. إذ هو الجامع فلا يصح القياس مع عدم معرفته.
هذا وأما إثبات الأحكام كلها بالقياس فلا خلاف في امتناعه لتأديته إلى التسلسل، أو الدور .ويصح إثبات جميعها بالنصوص إذ لا مانع منه. فافهم ذلك.
Page 61