الجهة الثانية: إذا تعارض الجرح والتعديل فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال أيضا:
فقيل: لا يرجح أحدهما على الآخر إلا بمرجع.
وقيل: يقدم التعديل إذا زاد المعدلون على الجارحين.
(( و)) القول الثالث: _ وهو المختار _ أن (( الجارح أولى )) بأن يعمل بقوله. فترد رواية المجروح وشهادته. (( وإن كثر المعدل )). أو حصل فيه مرجح آخر. وذلك لأن في تقديم الجرح جمعا بين التعديل والجرح. فإن غاية قول المعدل: أنه لم يعلم فسقا ولم يظنه فظن العدالة. إذ العلم أتعدم لا يتصور. والجارح يقول: أنا أعلم فسقه. فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا. ولو حكمنا بفسقه كانا صادقين فيما اخبرا به. والجمع أولى ما أمكن. لأن تكذيب العدل خلاف الظاهر. وهذا إذا أطلقا، وأما إذا عين الجارح سببا ونفاه المعدل بطريق معتبرة، كما إذا قال الجارح: قتل فلانا ظلما وقت كذا في مكان كذا. فقال المعدل: رأي: ته حيا بعد ذلك الوقت، أو كان القاتل ذلك الوقت عندي، أو في غير ذلك المكان الذي ادعا أنه قتله فيه. فإنهما يتعارضان. فيرجع إلى الترجيح بين الخبرين. فإن حصل مرجح عمل به، وإلا تساقطا الخبران، ورجع إلى البراءة الأصلي. والله أعلم
الجهة الثالثة: في بيان ما به التزكية والجرح هل يكفي الإطلاق فيهما أو لا بد من ذكر السبب ؟ اختلف في ذلك:
فقيل: لا يكفي فيهما. أما في العدالة فلأنه قد يكثر التصنع فيها فيتسارع الناس إلى البناء فيها على الظاهر.
وأما في الجرح فلأنه يحصل بخصلة واحدة فيسهل ذكرها. وأيضا قد اختلف الناس فيما يجرح به؟ بخلاف العدالة فلم يختلف في سببها.
وقيل: يكفي الإطلاق فيهما. لأن المزكي إن كان بصيرا قبل جرحه وتعديله، وإلا فلا.
وقيل: يقبل في التعديل دون الجرح. للاختلاف في أسباب الجرح، دون العدالة فسببها واحد لم يختلف فيه.
ورد بأن اجتناب أسباب الجرح أسباب للتعديل. والاختلاف فيها اختلاف في العدالة.
Page 32