(( وقد يتواتر المعنى دون اللفظ )) والتواتر المعنوي هو: أن ينقل العدد الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة مشتملة على قدر مشترك. وذلك: (( كما في شجاعة علي ))كرم الله وجهه، حيث روي أنه قتل يوم الخندق كذا، وأخبر آخر أنه هزم في خبر كذا، وأخبر آخر أنه فعل في أحد كذا، إلى غير ذلك. فكل واحدة من هذه الجزئيات لم تبلغ حد التواتر، بل أفادت بالالتزام كونه شجاعا. (( و)) كذا (( جود حاتم )) فيما يحكى أنه أعطى دينارا، وأخبر آخر أنه أعطى جملا، وأخبر آخر أنه أعطى شاة، هلم جرا حتى بلغ المخبرون عدد التواتر. فيقطع بوجود القدر المشترك _ أعني الشجاعة، والجود _ لوجوده في كل خبر من هذه الأخبار.
قيل: والقدر المشترك هنا هو مجرد الإعطاء، لا الكرم والجود، لعدم وجودهما في كل واحد من الجزئيات.
قلت: بل والكرم والجود أيضا يقطع بوجودهما، لأنهما وإن لم يوجد لفظهما، فهذه الأخبار تتضمنهما، فتأمل ذلك. وهذا هو المسمى بالتواتر المعنوي، لأن المتواتر إنما هو المعنى فقط كما تقرر.
(( و)) القسم الثاني من الأخبار (( الآحاد )) وحقيقته: ما لا يفيد بنفسه العلم. وسواء كان خبر واحد أو جماعة، فيدخل المستفيض كما تقدم، وكذا ما أفاد العلم بقرينة.
واختلف في وجوب العلم به. والمختار: وجوبه عقلا وسمعا.
أما العقل: فأنا نعلم ضرورة أن من أحضر إليه طعام، وأخبر معدل أنه مسموم، وغلب في ظنه صدقه، ثم أقدم عليه مع غلبه الظن استحق الذم قطعا. وذلك هو معنى الوجوب.
وأما السمع فما سيأتي عن قريب أن شاء الله تعال.
والآحاد قسمان: (( مسند، ومرسل )).
وحقيقة المرسل في الاصطلاح: قول العدل الذي لم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا.
وسواء كان تابعيا أو غيره.وسمي مرسلا: لكونه أرسل الحديث أي: أطلقه، ولم يذكر من سمعه منه.
Page 25