* قال مقبل: والحديث ليس عن جرير فحسب بل هو وارد عن قدر ثلاثين
صحابيا.
والجواب: إنهم كثروا الطرق بروايات واضحة البطلان وإنها
مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليست حديثا واحدا بل هي رواية أحاديث مختلفة وإن تضمنت الرؤية، وفي بعضها إثبات الصورة لله سبحانه، فالحديث الواضح كذب راويه لاتكثر به الرواية، ومع مخالفتها كلها لقول الله تعالى: {لاتدركه الأبصار}(1) لايصح اعتمادها، بل إما أن ترد لمخالفتها الآية القرآنية التي لاينحصر رواتها بل روتها الأمة كل قارئ منها، فما تكون في جنب نقلة القرآن نقلة رواية الرؤية، وإما أن يرد بعضها وهو ما في أحاديث التشبيه الواضح لأنها لاتقبل التأويل إلا بتعسف، ويقبل ماليس فيه إلا ذكر الرؤية على شرط تفسيره بما لايعارض الآية القرآنية، وذلك أن تفسر الرؤية برؤية نور العدل يوم القيامة، والحق الخالص، والرحمة لأولياء الله، والكرامة لهم وإعلاء الحق، وإخزاء الباطل وأهله، فتكون مشاهدة تلك الأمور تعتبر رؤية لأنه يحصل بها العلم الضروري بالله، واتصال الأذهان بجلاله لايشغلها عنه شاغل فكما أن رؤية نور القمر تعتبر رؤية للقمر مع أنه لايرى من الأرض حقيقة على حد رؤية الحاضر عنده من رواد الفضاء الذين يرونه من عنده كما نرى الأرض، إنما يرى من الأرض نوره، فكذلك رؤية نور الحق يوم القيامة، لأن المؤمن يكون قلبه صالحا للعلم الضروري والذكر الخالص لله، وقد رضي الله عنهم ورضوا عنه بخلاف الكافر فهو مشغول بنفسه: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى}(2) وعلى هذا يكون للتشبيه برؤية القمر فائدة غير ما يتوهم المشبهون لله سبحانه، وتلك الفائدة أن الرؤية هي رؤية نور الحق التي تتجلى بها عظمة الله وجلاله، فتتجه لها قلوب المؤمنين إلى الله سبحانه، كما أن رؤية القمر ليست رؤية جرمه حقيقة إنما هي رؤية نوره وشعاعه. والله أعلم.
Page 27