وقال في موضع آخر رضي الله عنه: وأما كون الخلود من الفروع فوجهه أنه ليس تركه قدحا في صفة الله ولا مؤديا إلى القدح فيها أو فيه، وهي هو وليس لحكمة نقض لحكم الله وتجديد لحكم فكان من الأصول وأنا معتقد للخلود حاكم بعصيان من نفاه. كما قال أصحابنا بأن نجاسة بول المأكول من الفروع مع حكمهم بعصيان من قال بطهارته، وكما لم يبرأ أصحابنا المغاربة ممن قال من أصحابنا المشارقة بقدم القرآن ولا ممن قال من أصحابنا التونسيين بالجبل، وكما روي عن ابن محبوب رحمه الله أنه لا يقال صفة الله هو ولا غيره، مع أنا نقول صفته هو، ونجعل ذلك من الأصول، وهل رأيتهم أجمعوا أن القول بعدم الخلود وحده كاف في التكفير؟ فإن قومنا لهم موجبات تكفير متعددة كقولهم فيما ظاهره <1/ 62> جوارح الإنسان كالوجه واليد إنها لله هكذا بلا كيف، وهذا قدح في صفة الله، فإن إتيانها كفر، وما يغني قولهم: «بلا كيف»؛ لأنه لم يفد شيئا، وهذا قول الموحدين منهم يعنون بأنهم كاملو التوحيد، ويسمون من يؤول كما تأول منهم غير موحد، أي غير آت بتوحيد كامل، وذلك خطأ، وقد ندمت على إظهار أن عدم الخلود من الفروع، لما سمعت أن جماعة اغترت بذلك ووددت أني كتمته، قولوا لهم: يرحمكم الله إني قائل بالخلود، وحاكم على نافيه بالعصيان، وإنه ليس القول بأنه من الفروع قولا ينفيه، وفي كلامكم رحمكم الله ما يوهم أني كاره للبحث، بل أنا راض به ومترسل فيه، ومحب لإظهار الحق، وليس القول بفرعيته نفيا لآيات الخلود وأحاديثه، ولكن قيدوها فصارت مقيدة في زعمهم فخرجت عن الأصول، ولم يرجع لقيدها إلى إبطال الألوهية أو الصفة والحكم الإلهي، بخلاف قولهم في الرؤية فإن تأولهم لم يخرجهم عن وصف الله بالتحيز والجهة واللون والتكييف، فإنا نقول: أي فرق بين الإدراك بالجارحة وبين الإدراك بالقلب أو بجارحة سادسة.
Page 60