منهم إلا الشفاعة، تبين لكم أن هذا الذي يفعل عند القبور من سؤالهم جلب الفوائد وكشف الشدائد أنه الشرك الأكبر كفر الله به المشركين، فإن هؤلاء المشركين شبهوا الخالق بالمخلوق؛ وفي القرآن العزيز وكلام أهل العلم من الرد على هؤلاء ما لا يتسع له هذا الموضع، فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس تكون على أحد وجوه ثلاثة إما لإخبارهم من أحوال الناس مما لا يعرفونه. ومن قال إن الله لا يعرف أحوال العباد حتى يخبره بذلك بعض الأنبياء أو غيرهم من الأولياء والصالحين فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. الثاني: أن يكون الملك عاجزًا عن تدبير رغبته ودفع أعدائه إلا بأعوان من الذل فلا بد له من أعوان وأنصار لذله وعجزه، والله سبحانه ليس له ولي ولا ظهير من الذل، وكلما في الوجود من الأسباب فهو سبحانه ربه وخالقه، فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم والله سبحانه ليس له شريك في الملك بل لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، ولهذا لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلًا عن غيرهما، فإن من شفع عنده بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب أثر فيه بشفاعته حتى يفعل ما يطلب منه؛ والله لا شريك له بوجه من الوجوه.
الثالث: أن يكون الملك ليس مريدًا لنفع رعيته والإحسان إليهم إلا بمحرك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه أو يعظه، أو من يدل عليه بحيث يكون يرجوه ويخافه تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، والله تعالى رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها
1 / 52