مدونة أحكام الوقف الفقهية
مدونة أحكام الوقف الفقهية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٧ م
Genres
ولعل من أشهر الأوقاف التي عرفتها القاهرة في العصور الوسطى "البيمارستان الكبير المنصوري" أو "دار الشفاء"، أو "مارستان قلاوون" الذي ابتناه السلطان "قلاوون" في عام ٦٨٣ هـ/ ١٢٨٤ م، وقد نصت وقفية البيمارستان على توفير العلاج والطعام والمراوح المصنوعة من الخوص؛ لتخفيف حدة الحر عن المرضى، وأن يصرف للمريض عند خروجه من البيمارستان مبلغًا من المال، فضلًا عن تحمل نفقات تكفين من يموت في البيمارستان ودفنه (^١)، وقد أثنى الرحالة ابن بطوطة على هذا البيمارستان بقوله: "وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون؛ فيعجز الواصف عن محاسنه، وقد أعمد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصى، ويذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم" (^٢)، وقد وقف الملك "المنصور" عليه كثيرًا من الأملاك والحمامات والفنادق والأحكار والضياع في مصر والشام، كانت تغل ما يقارب مليون درهم في كل سنة، ورتب مصاريف المارستان، والقبة والمدرسة، ومكتب الأيتام، وجاء في نص وقف هذا المجمع الصحي الاجتماعي الثقافي: أنه على الملك والمملوك والكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برئه كسوة، ومن مات جهزه وكفنه ودفنه، وكان في هذا البيمارستان كل التخصصات الطبية، ورتب الفراشين والفراشات، والقومة لخدمة المرضى وإصلاح أماكنهم وتنظيفها وغسل ثيابهم وخدمتهم في الحمام، وجهزت الأسرة والفرش لكل مريض، وأفرد لكل طائفة من المرضى أمكنة تختص بهم، وأفردت أماكن لطبخ الطعام والأشربة والأدوية والمعالجة وتركيب الأكحال، ورتب فيه مكان يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء الدروس على طلبة الطب، وكان لا يتولى الإشراف على هذا البيمارستان إلا الوزراء ومن في معناهم، وكان السلطان المملوكي يصدر بنفسه مراسيم تعيين المدرسين في البيمارستان، وكانت كل الخدمات العلاجية تقدَّم مجانًا (^٣).
(^١) انظر: الحياة الاجتماعية بالمدينة الإسلامية، سعيد عبد الفتاح عاشور، مجلة عالم الفكر، أبريل - مايو - يونيو ١٩٨٠ م، ١١/ ١١٤ - ١١٥. (^٢) رحلة ابن بطوطة، ابن بطوطة، ١/ ٧٠ - ٧١. (^٣) انظر لمزيد من التفاصيل: تاريخ البيمارستانات في الإسلام، أحمد عيسى، ١٣ - ١٤٩، والخطط والآثار، المقريزي، ٢/ ٤٠٧، ونهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد النويري، ٣/ ١٠٦ - ١٠٧، وصبح الأعشى، القلقشندي، ١١/ ٢٤٩، وتاريخ ابن الفرات، ابن الفرات، ٨/ ٢٣ - ٢٦.
1 / 86