Anciens et Modernes : études, critiques et discussions
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Genres
يدنو ويبتعد في وقت معا من قول الشاعر القديم وقد عدوه مخالفا لفصاحة المركب لغموضه :
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا
وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
إن الوطن الذي كان لنا منه أمير الشعراء امرؤ القيس وجرير وغيرهما، ها هو القرن العشرين يستعيد مجده الأدبي بإنجابه عبد الله الفيصل، وإذا لم يكن للروح والجمال المعنوي إلا أثر يكاد يلمس في ديوانه، فاعلم أن هذا هو الدليل القاطع على النفسية العربية التي لا تعجبها الصوفية، وإذا رأينا شاعرنا لم يتخيل كثيرا فلأن شعره وصف خوالج نفسية، والبوح لا يتطلب إمعانا في الخيال، ناهيك أن الإغراب في الشعر ليس من طباع العرب.
فشاعرنا أوتي البساطة التي سأل فرلين السماء أن يعطاها، قد أعطيها عبد الله الفيصل فرأى الحبيبة إنسانة من لحم ودم، لا من نور وألحان، وورق ورد، وضياء ونور، وأغاني حمراء وصفراء، وأحلام بيضاء وخضراء، وأشعة قوس قزح، كما يراها أصحابنا - بعض شعراء اليوم - ويخاطبونها بلغة لا تفهمها هي، ولا الإنس والجن أيضا.
فهذا الشاعر، وهو نموذج للرأس العربي، وقد اجتمعت فيه جميع خواصه وخصائصه، لا ترى في ديوانه رمزية ولا سريالية، ولكنك ترى شعرا عربيا صافيا تفكيرا وتعبيرا، شعرا لا تحمل الكلمة فيه فوق طاقتها ولا تكلف إلا وسعها.
فكأني بديوان محروم قد جاء ردا، في الوقت المناسب، على البدعة الجديدة التي يحاولونها في العراق، كما نرى في قصيدة «النهر العاشق» للآنسة الشاعرة نازك الملائكة، عدت نازك تلك القصيدة «أنشودة عزاء لبغداد التي تغرق» وما هي في نظري إلا «جناز» لشعر نازك الذي غرق في بركة التجديد ومحاولة الإبداع.
بعد ظهور ديوان نازك «شظايا ورماد» نصحت لها أن تعود إلى حبيبها الأول، إلى عشق الليل، وإذا بي أقرأ في هذه الأيام عشق النهر، وأتبعها نفر من شعراء أحببناهم كبلند الحيدري وفلان وفلان.
فيا إخواني، إنكم بهذا تعتقون ولا تصيرون جددا، فليست آفة شعرنا في وزنه وقوافيه، وإنما آفة بيت الشعر العربي في تعبئة وزنه، وإحكام بنيان زواياه، أعني قوافيه، إنكم بهذا تقلدون الغرب، ولو استطاع شعراء الغرب أن يجدوا لهم أوزانا كأوزاننا، وقوافي كقوافينا لما تخلوا عنها كما تتخلون، ولما فعلوا غير ما فعل قدامى العرب، أحكموا بنيان البيت الشعري ولا تهربوا من الساحة.
لقد استطردنا ولكننا لم نبتعد عن الموضوع كثيرا، وحسبنا من محروم ابتعاده عن تلك التعابير الموروثة مع أنه ابن المحيط الذي أبصرت النور فيه، فأنت لا تجد في وحي الحرمان تعبيرا كلاسيكيا، والتعبير الكلاسيكي المنقول هو أخطر سلاح يحمله الشاعر والناثر في معركة أدبية.
Page inconnue