{هدا للمتقين} الهدي الدلالة الموصلة إلى البغية وهو البيان والإرشاد والمتقي في الشريعة الذي كفى نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك، واختلف في الصغائر والأصح أنه لا يتناولها لأنها تقع مكفرة عن مجتنب الكبائر ويطلق على الرجل اسم المؤمن لظاهر الحال والمتقي لا يطلق إلا عن خبرة كما لا يجوز إطلاق إسم العدل إلا على المختبر وخص المتقين لما كانوا هم الذين انتفعوا به دون غيرهم {الذين يؤمنون بالغيب} أي يصدقون به ويثقون بأنه حق، والمؤمن من أمن نفسه أو غيره مما يخاف، والغيب ما غاب عنا والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه أبدا إلا علم اللطيف الخبير، وإنما نعلم منه ما علمناه أو نصيب لنا دليلا عليه، والمعنى وصفهم لتصديق ما تضمنه القرآن من الإخبار عن الغيوب والبعث والنشور وسائر ما لا علم لهم.
ولما روي أن أصحاب ابن مسعود ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانهم فقال: عبد الله إن أمر محمد كان بينا لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرا هذه الآية والإيمان الصحيح أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله فمن أخل بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق ومن أخل بالشهادة، فهو كافر، ومن أخل بالعمل فهو فاسق، {ويقيمون الصلاة} إقامتها تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها واستهزاء بها، والصلاة في اللغة الدعاء وضم إليها في الشرع هيئات وأذكار، وقيل: يقيمونها بالمحافظة على أوقاتها ووضوءها وركوعها وسجودها {ومما رزقناهم} أي: أعطيتهم {ينفقون} أي: يخرجون وأصل الإنفاق الإخراج.
Page 22