وعن ابن عباس أقسم الله بهذه الحروف ولم تعد بأجمعها في أول القرآن وإنما جاءت مفرقة على السور لأن إعادة التنبيه بها وتجديده في مواضع كثيرة أوصل إلى الغرض، وأقر له من الأسماع والقلوب من أن تذكر مرة واحدة، وهذا حكم كل تكرير جاء في القرآن، فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس وتقريره، ولم تجئ على طريقة واحدة، بل اختلفت أعدا حروفها على عادة العرب في التفنن في الكلام، وتعرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب مختلفة، فذلك بهذه الفواتح ذلك المسدد لا وجه ولاقتصاص كل سورة الفاتحة التي اختصت بها لأن الغرض التنبيه والأوائل كلها في تأدية هذا الغرض سواء لا مفاضلة بينهما فتطلب وجه الاقتصاص ساقط كما إذا سمى الرجل بعض أولاده زيدا، والآخر عمروا لم يقل له لما خصصت هذا بزيد، وذاك بعمرو وعدوا بعض هذه الفواتح آية دون بعض لأنه علم توقيفي لا مجال للقياس فيه كما عدوا الرحمن وحده آية ومدهامتان آية على طريق التوفيق {ذلك الكتاب} الكتاب: القرآن أو السورة وصحته الإشارة إلى ما ليس ببعيد لأنه كما سبق التكلم به وتقضي صار في حكم المتباعد ولأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه وقع في حد التباعد {لا ريب فيه} الريب الشك أي: لا شك في أنه حق وصدق لا باطل وكذب، وليس الغرض أن أحدا لا يرتاب فيه فكم من مرتاب فيه، وإنما المنفي كونه متعلقا للريب ومنطقه له لأنه في وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي المرتاب أن يقع فيه، والوقف على فيه هو المشهور وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على الأريب والتقدير لا ريب فيه.
Page 21