ولما كانت الخمر تستر العقل وتغطى عليه سميت بذلك وأجمعت الأمة على تحريم خمر العنب ووجوب الحد في القليل والكثير منه وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب محرم قليله وكثيره والحد في ذلك واجب وروي أن هذه الآية أول تطرق إلى تحريم الخمر ثم بعده لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم الآية إلى قوله فهل أنتم منتهون ثم قوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت الخمر ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين خرجه مسلم وابو داوود وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب فيها ضربا مشاعا وحزره أبو بكر أربعين سوطا وعمل بذلك هو ثم عمر ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله كاخف الحدود ثمانين وبه قال مالك ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع قال ابن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز ت وعبارة الداودي وعن ابن عمر الميسر القمار كله قال ابن عباس كل ذلك قمار حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب انتهى وقوله تعالى قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية قال ابن عباس والربيع الإثم فيهما بعد التحريم والمنفعة قبله وقال مجاهد المنفعة بالخمر كسب أثمانها وقيل اللذة بها إلى غير ذلك من افراحها ثم أعلم الله عز وجل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة فهذا هو التقدمة للتحريم وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال جمهور العلماء هذه نفقات التطوع والعفو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر فالمعنى انفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم توذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة على الناس وقوله تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون الإشارة إلى ما تقدم تبيينه من الخمر والميسر والإنفاق وأخبر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات التي تقودهم إلى الفكرة في الدنيا والآخرة وذلك طريق النجاة لمن نفعته فكرته قال الداودي وعن ابن عباس لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها انتهى قال الغزالي رحمه الله تعالى العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة فإنها مصيره مستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى صورة مروعة تذكر منكرا ونكيرا والزبانية وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف له من آخر أمره بعد الحساب من رد أو قبول وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا فإذا نسب مدة مقامه في الدنيا إلى مدة مقامه في الآخرة استحقر الدنيا إن لم يكن أغفل قلبه وأعميت بصيرته انتهى من الأحياء وقوله تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير قال ابن عباس وسعيد بن المسيب سبب الآية أن المسلمين لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الآية ونزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما تجنبوا اليتامى وأموالهم وعزلوهم عن أنفسهم فنزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم الآية وأمر الله سبحانه نبيه أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم فهو خير فرفع تعالى المشقة وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ورفق اليتيم وقوله سبحانه والله يعلم المفسد من المصلح تحذير وقوله تعالى ولو شاء الله لأعنتكم أي لأ تعبكم في تجنب أمر اليتامى والعنت المشقة ومنه عقبة عنوت ومنه عنت العزبة وعزيز مقتضاه لا يرد أمره وحكيم أي محكم ما ينفذه وقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ونكح أصله في الجماع ويستعمل في العقد تجوزا قالت طائفة المشركات هنا من يشرك مع الله إلها آخر وقال قتادة وابن جبير الآية عامة في كل كافرة وخصصتها أية المائدة لم يتناول العموم قط الكتابيات وقال ابن عباس والحسن تناولهن العموم ثم نسخت آية المائدة بعض العموم في الكتابيات وهو مذهب مالك رحمه الله ذكره ابن جبيب وقوله تعالى ولأمة مؤمنة خير من مشركة الآية هذا إخبار من الله سبحانه أن المؤمنة المملوكة خير من المشركة وإن كانت ذات الحسب والمال ولو أعجبتكم في الحسن وغير ذلك هذا قول الطبري وغيره وقوله سبحانه ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا الآية أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغصاصة على دين الإسلام قال بعض العلماء أن الولاية في النكاح نص في هذه الآية قلت ويعني ببعض العلماء محمد بن علي بن حسين قاله ابن العربي انتهى ولعبد مؤمن مملوك خير من مشرك حسيب ولو أعجبكم حسنه وماله حسبما تقدم قال ع وتحتمل الآية عندي أن يكون ذكر العبد والأمة عبارة عن جميع الناس حرهم ومملوكهم إذ هم كلهم عبيده سبحانه وقوله تعالى أولئك يدعون إلى النار أي بصحبتهم ومعاشرتهم والانحطاط في كثير من أهوائهم والله عز وجل ممن بالهداية ويبين الآيات ويحض على الطاعات التي هي كلها دواع إلى الجنة والإذن العلم والتمكين فإن انضاف إلى ذلك أمر فهو أقوى من الإذن لأنك إذا قلت أذنت في كذا فليس يلزمك أنك أمرت ولعلهم ترج في حق البشر ومن تذكر عمل حسب التذكر فنجا قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى قال الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح وقال قتادة وغيره إنما سألوه لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مواكلة الحائض ومساكنتها فنزلت الآية وقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض يريد جماعهن بما فسر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تشد الحائض أزارها ثم شأنه بأعلاها قال أحمد بن نصر الداودي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتقوا النساء في المحيض فإن الجذام يكون من أولاد المحيض انتهى قوله تعلى ولا تقربوهن حتى يطهرن وقرأ حمزة وغيره يطهرن بتشديد الطاء والهاء وفتحهما وكل واحدة من القراءتين يحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال اذاه قال ابن العربي في أحكامه سمعت أبا بكر الشاشي يقول إذا قيل لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تلتبس بالفعل وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن منه انتهى وجمهور العلماء على أن وطاها في الدم ذنب عظيم يتاب منه ولا كفارة فيه بمال وجمهورهم على أن الطهر الذي يحل جماع الحائض هو بالماء كطهر الجنب ولا يجزيء من ذلك تيمم ولا غيره وقوله تعالى فإن تطهرن الآية الخلاف فيها كما تقدم وقال مجاهد وجماعة تطهرن أي اغتسلن بالماء بقرينة الأمر بالإتيان لأن صيغة الأمر من الله تعالى لا تقع إلا على الوجه الأكمل وفاتوهن أمر بعد الحظر يقتضي الإباحة والمعنى من حيث أمركم الله بإعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلىالركبة على الخلاف في ذلك وقال ابن عباس المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض وقيل المعنى من قبل حال الإباحة لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك والتوابون الرجاعون وعرفه من الشر إلى الخير والمتطهرون قال عطاء وغيره المعنى بالماء وقال مجاهد غيره المعنى من الذنوب وقوله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية مبيحة لهيآت الإتيان كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ولفظه الحرث تعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع قال ابن العربي في أحكامه وفي سبب نزول هذه الآية روايات الأولى عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كان في صمام واحد خرجه مسلم وغيره الثالثة ما روى الترمذي أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت البارحة رحلي فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم أقبل وأدبر وأتق الدبر انتهى قال ع وأنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة على جنب قال ع وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه انه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله أن يعرج بهذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره وقوله جلت قدرته وقدموا لأنفسكم قال السدي معناه قدموا الأجر في تجنب ما نهيتم عنه وامتثال ما أمرتم به وأتقوا الله تحذير وأعلموا انكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير أي فهو مجازيكم على البر والإثم وبشر المؤمنين تأنيس لفاعلي البر ومتبعى سنن الهدى قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية مقصد الآية ولا تعرضوا اسم الله تعالى فتكثروا الإيمان به فإن الحنث يقع مع الإكثار وفيه قلة رعي لحق الله تعالى وقال الزجاج وغيره معنى الآية أن يكون الإنسان إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله وقال علي يمين وهو لم يحلف وقوله عرضة قال ابن العربي في أحكامه أعلم أن بناء عرض في كلام العرب يتصرف على معان مرجعها إلى المنع لأن كل شيء عرض فقد منع ويقال لما عرض في السماء من السحاب عارض لأنه يمنع من رؤيتها ومن رؤية البدرين والكواكب انتهى وإن تبروا مفعول من أجله والبر جميع وجوه البر وهو ضد الإثم وسميع أي لأقوال العباد عليم بنياتهم وهو مجاز على الجميع واليمين الحلف وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم سقط الكلام الذي لا حكم له قال ابن عباس وعائشة والشعبي وأبو صالح ومجاهد لغو اليمين قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة لا والله وبلى والله دون قصد لليمين وقد أسنده البخاري عن عائشة وقال أبو هريرة والحسن ومالك وجماعة لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك ع وهذا اليقين هو غلبة الظن وقال زيد بن أسلم لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه وقال الضحاك هي اليمين المكفرة وحكى ابن عبد البر قولا أن اللغو إيمان المكره قال ع وطريقة النظر أن تتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب ويحكم موقعهما في اللغة فكسب المرء ما قصده ونواه واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته إن يسقط فيقوي على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها وقد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة والمؤاخذة في الإيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة لان المواخذةقد وقعت فيها وتخصيص المواخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم ت والقول الأول ارجح وعليه عول اللخمي وغيره وقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن عباس وغيره ما كسب القلب هي اليمين الكاذبة الغموس فهذه فيها المواخذة في الآخرة أي ولا تكفر ع وسميت الغموس لأنها غمست صاحبها في الإثم وغفور حليم صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة إذ هو باب رفق وتوسعة وقوله تعالى للذين يولون من نسائهم الآية يولون معناه يحلفون والايلاء اليمين واختلف من المراد بلزوم حكم الإيلاء فقال مالك هو الرجل يغاضب امرأته فيحلف بيمين يلحق عن الحنث فيها حكم أن لا يطأها ضررا منه أكثر من أربعة أشهر لا يقصد بذلك إصلاح ولد رضيع ونحوه وقال به عطاء وغيره وقوله تعالى من نسائهم يدخل الحرائر والاماء إذا تزوجن والتربص التأني والتأخر وأربعة أشهر عند مالك وغيره للحر وشهران للعبد وقال الشافعي هو كالحر وفاءوا معناه رجعوا ومنه حتى تفيء إلى أمر الله قال الجمهور وإذا فاء كفر والفيء عند مالك لا يكون إلا بالوطء أو بالتكفير في حال العذر قوله تعالى والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء حكم هذه الآية قصد الإستبراء لا أنه عبارة ولذلك خرجت منه من لم يبن بها بخلاف عدة الوفاة التي هي عبادة والقرء في اللغة الوقت المعتاد تردده فالحيض يسمى على هذا قرءا وكذلك يسمى الطهر قرءا واختلف في المراد بالقروء هنا فقال عمر وجماعة كثيرة المراد بالقروء في الآية الحيض وقالت عائشة وجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم المراد الأطهار وهو قول مالك واختلف المأولون في قوله ما خلق الله في أرحامهن فقال ابن عمر ومجاهد وغيرهما هو الحيض والحبل جميعا ومعنى النهي عن الكتمان النهي عن الإضرار بالزوج في إلزامه النفقة وإذهاب حقه في الارتجاع فأمرن بالصدق نفيا وإثباتا وقال قتادة كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية وقال ابن عباس أن المراد الحبل والعموم راجح وفي قوله تعالى ولا يحل لهن ما يقتضي أنهن مؤتمنات على ما ذكر ولو كان الاستقصاء مباحا لم يكن كتم وقوله سبحانه إن كن يؤمن بالله الآية أي حق الإيمان وهذا كما تقول أن كنت حرا فأنتصر وأنت تخاطب حرا والبعل الزوج ونص الله تعالى بهذه الآية على أن للزوج أن يرتجع امرأته المطلقة ما دامت في العدة والإشارة بذلك إلى المدة بشرط أن يريد الإصلاح دون المضارة كما تشدد على النساء في كتم ما في أرحامهن وقوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن الآية تعم جميع حقوق الزوجية وقوله تعالى وللرجال عليهن درجة قال مجاهد هو تبنيه على فضل حظه على حظها في الميراث وما أشبهه وقال زيد بن أسلم ذلك في الطاعة عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها وقال ابن عباس تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجل على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه وهذا قول حسن بارع وقوله تعالى الطلاق مرتان الآية قال عروة بن الزبير وغيره نزلت هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي وقال ابن عباس وغيره المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق وإن من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فأما تركها غير مظلومة شيئا من حقها وأما أمسكها محسنا عشرتها ع والآية تتضمن هذين المعنيين ص الطلاق مبتدأ على حذف مضاف أي عدد الطلاق ومرتان خبره انتهى والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتسريح يحتمل لفظه معنيين أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها وهذا قول السدي والضحاك والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما وإمساك مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن وقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيأ الآية خطاب للازواج نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيأ على وجه المضارة وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر وخص بالذكر ما ءاتى الأزواج نساءهم لأنه عرف الناس عند الشقاق والفساد أن يطلبوا ما خرج من أيديهم وحرم الله تعالى على الزوج في هذه الآية أن يأخذ إلا بعد الخوف إلا يقيما حدود الله وأكد التحريم بالوعيد وحدود الله في هذا الموضع هي ما يلزم الزوجين من حسن العشرة وحقوق العصمة وقوله تعالى فإن خفتم إلا يقيما حدود الله المخاطبة للحكام والمتوسطين لهذا الأمر وإن لم يكونوا حكاما وترك إقامة حدود الله هو إستخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه قال ابن عباس ومالك وجمهور العلماء وقال الشعبي إلا يقيما حدود الله معناه إلا يطيعا الله وذلك أن المغاصبة تدعو إلى ترك الطاعة وقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به إباحة للفدية وشركها في ارتفاع الجناح لأنها لا يجوز لها ان تعطيه مالها حيث لا يجوز له أخذه وهي تقدر على المخاصمة قال ابن عباس وابن عمر ومالك وأبو حنيفة وغيرهم مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه وقضى بذلك عمر بن الخطاب وقال طاوس والزهري والحسن وغيرهم لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها وقال ابن المسيب لا أرى أن يأخذ منها كل ما لها ولكن ليدع لها شيئا وقوله تعالى تلك حدود الله الآية أي هذه الأوامر والنواهي فلا تتجاوزوها ثم توعد تعالى على تجاوز الحد بقوله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وهو كما قال صلى الله عليه وسلم الظلم ظلمات يوم القيامة وقوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد الآية قال ابن عباس وغيره هو ابتداء الطلقة الثالثة قال ع فيجيء التسريح المتقدم ترك المرأة تتم عدتها من الثانية وأجمعت الأمة في هذه النازلة على اتباع الحديث الصحيح في امرأة رفاعة حين تزوجت عبد الرحمن بن الزبير فقال لها النبي صاى الله عليه وسلم لعلك اردت الرجوع الى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فرأى العلماء أنه لا يحلها إلا الوطء وكلهم على أن مغيب الحشفة يحل إلا الحسن بن أبي الحسن قال لا يحلها إلا الإنزال وهو ذوق العسيلة والذي يحلها عند مالك النكاح الصحيح والوطء المباح وقوله تعالى فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله الآية المعنى فإن طلقها المتزوج الثاني فلا جناح عليهما أي المرأة والزوج الأول قاله ابن عباس ولا خلاف فيه والظن هنا على بابه من تغليب أحد الجائزين وخص الذين يعلمون بالذكر تشريفا وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء الآية خطاب للرجال نهي الرجل أن يطول العدة مضارة لها بأن يرتجع قرب انقضائها ثم يطلق بعد ذلك قاله الضحاك وغيره ولا خلاف فيه ومعنى بلغن أجلهن قاربن لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ومعنى أمسكوهن راجعوهن وبمعروف قيل هو الإشهاد ولا تمسكوهن أي لا تراجعوهن ضرارا وباقي الآية بين وقوله تعالى ولا تتخذوا ءايات الله هزؤا الآية المراد بآياته النازلة في الأوامر والنواهي وقال الحسن نزلت هذه الآية فيمن طلق لاعبا أو هازئا أو راجع كذلك وقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ثم ذكر الله عباده بإنعامه سبحانه عليهم بالقرآن والسنة والحكمة وهي السنة المبينة مراد الله سبحانه وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن الآية خطاب للمؤمنين الذين منهم الأزواج ومنهم الأولياء لأنهم المراد في تعضلوهن وبلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه لأن المعنى يقتضي ذلك وقد قال بعض الناس في هذا المعنى أن المراد بتعضلوهن الأزواج وذلك بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير فقوله أزواجهن على هذا يعني به الرجال إذ منهم الأزواج وعلى أن المراد بتعضلوهن الأولياء فالأزواج هم الذين كن في عصمتهم والعضل المنع وهو من معنى التضييق والتعسير كما يقال اعضلت الدجاجة إذا عسر بيضها والداء العضال العسير البرء وقيل نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته لما طلقها زوجها وتمت عدتها أراد أرتجاعها فمنعه ولي المرأة وقيل نزلت في جابر بن عبد الله وأخته وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في إنكاح وليته وقوله بالمعروف معناه المهر والإشهاد وقوله تعالى ذلك يوعظ به من كان منكم خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم رجوع إلى خطاب الجماعة والإشارة في ذلكم أزكى إلى ترك العضل وأزكى وأطهر معناه أطيب للنفس وأطهر للعرض والدين بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لاينبغي والله تعالى يعلم من ذلك ما لا يعلم البشر قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة يرضعن أولادهن خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات وعلى الندب لبعضهن فيجب على الأم الإرضاع أن كانت تحت أبيه أو رجعية ولا مانع من علو قدر بغير أجر وكذلك أن كان الأب عديما أو لم يقبل الولد غيرها وهذه الآيات في المطلقات جعلها الله حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع فمن دعا منهما إلى إكمال الحولين فذلك له وقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة مبني على أن الحولين ليسا بفرض لا يتجاوز وانتزع مالك رحمه الله وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين لأن بإنقضاء الحولين تمت الرضاعة فلا رضاعة ت فلو كان رضاعة بعد الحولين بمدة قريبة وهو مستمر الرضاع أو بعد يومين من فصالة اعتبر إذ ما قارب الشيء فله حكمه انتهى وقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن الآية المولود له اسم جنس وصنف من الرجال والرزق في هذا لحكم الطعام الكافي وقوله بالمعروف يجمع حسن القدر في الطعام وجودة الأداء له وحسن الاقتضاء من المرأة ثم بين سبحانه أن الأنفاق على قدر غنى الزوج بقوله لا تكلف نفس إلا وسعها وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابان عن عاصم لا تضار والدة بضم الراء وهو خبر معناه الأمر ويحتمل أن يكون الأصل لا تضارر بكسر الراء الأولى فوالدة فاعلة ويحتمل بفتح الراء الأولى فوالدة مفعول لم يسم فاعله ويعطف مولود له على هذا الحد في الاحتمالين وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم لا تضار بفتح الراء وهذا على النهي ويحتمل أصله ما ذكرنا في الأولى ومعنى الآية في كل قراءة النهي عن الإضرار ووجوه الضرر لا تنحصر وكل ما ذكر منها في التفاسير فهو مثال ت وفي الحديث لا ضرر ولا ضرار رواه مالك في الموطأ مرسلا قال النووي في الحلية ورويناه في سنن الدارقطني وغيره من طرق متصلا وهو حسن انتهى وقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك قال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري وجماعة من العلماء المراد بقوله مثل ذلك ان لا يضار وأما الرزق والكسوة فلا شيء عليه منه قال ع فالإجماع من الأمة في أن لا يضار الوارث وإنما الخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا وقوله تعالى فإن أرادا فصالا الآية أي فإن أراد الوالدان وفصالا معناه فطاما عن الرضاع وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما وإن لا يكون على المولود ضرر وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فذلك له إلا أن يكون في ذلك على الصبي ضرر وقوله تعالى وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم مخاطبة لجميع الناس يجمع الآباء والأمهات أي لهم اتخاذ الظئر مع الاتفاق على ذلك وأما قوله إذا سلمتم فمخاطبة للرجال خاصة إلا على أحد التأويلين في قراءة من قرا أوتيتم وقرأ الستة من السبعة ءاتيتم بالمد بمعنى أعطيتم وقرأ ابن كثير أتيتم بمعنى فعلتم كما قال زهير ... وما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه ءاباء ءابائهم قبل ...
Page 180