انتهى ثم ذكرهم سبحانه بحال ضلالهم ليظهر قدر إنعامه عليهم وإن كنتم من قبله أي من قبل الهدى وقوله سبحانه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت قاله ابن عباس وغيره وذلك أنهم كانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه مع معرفتهم أن عرفة هي موقف إبراهيم فقيل لهم أفيضوا من حيث أفاض الناس أي من عرفة وثم لسيت في هذه الآية للترتيب إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة وقال الضحاك المخاطب بالآية جملة الأمة والمراد بالناس إبراهيم ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة وعلى هذا عول الطبري فتكون ثم على بابها وقرأ سعيد بن جبير الناسي وتأوله آدم عليه السلام وأمر عز وجل بالاستغفار لأنها مواطنة ومظان القبول ومساقط الرحمة وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال أيها الناس إن الله عز وجل تطاول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسن إلا التبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم الله فلما كان غداة جمع خطب فقال أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم الآية قال مجاهد المناسك الذبائح وهي إراقة الدماء ع والمناسك عندي العبادات في معالم الحج مواضع النسك فيه والمعنى إذا فرغتم من حجكم الذي هو الوقوف بعرفة فاذكروا الله بمحامده واثنوا عليه بآلائه عندكم وكانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة تتفاخر بالآباء وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك فنزلت الآية إن يلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزام ذكر آبائهم بأيام الجاهلية هذا قول جمهور المفسرين وقال ابن عباس وعطاء معنى الآية واذكروا الله كذكر الأطفال آبائهم وأمهاتهم أي فاستغيثوا به والجئوا إليه قال النووي في حليته والمراد من الذكر حضور القلب فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر مايذكر ويتعقل معناه فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قوله لا إله إلا الله لما فيه من التدبر وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مهشورة انتهى قال الشيخ العارف أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي ومنفعة الذكر أبدا إنما هي تتبع معناه بالفكر ليقتبس الذاكر من ذكره أنوار المعرفة ويحصل على اللب المراد ولا خير في ذكر مع قلب غافل ساه ولا مع تضييع شيء من رسوم الشرع وقال في موضع آخر من هذا الكتاب الذي ألفه في السلوك ولا مطمع للذاكر في درك حقائق الذكر إلا بأعمال الفكر فيما تحت ألفاظ الذكر من المعاني وليدفع خطرات نفسه عن باطنه راجعا إلى مقتضى ذكره حتى يغلب معنى الذكر على قلبه وقد آن له أن يدخل في دائرة أهل المحاضرات انتهى وقوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا الآية قال أبو وائل وغيره كانت عادتهم في الجاهلية الدعاء في مصالح الدنيا فقط إذ كانوا لا يعرفون الآخرة فنهو عن ذلك الدعاء المخصوص بأمر الدنيا وجاء النهي في صيغة الخبر عنه والخلاق الحظ والنصيب قال الحسن بن أبي الحسن حسنة الدنيا العلم والعبادة ع واللفظ أعم من هذا وحسنة الآخرة الجنة بإجماع وعن أنس قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار رواه البخاري ومسلم وغيرهما زاد مسلم وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه انتهى أولئك لهم نصيب مما كسبوا وعد على كسب الأعمال الصالحة والرب سبحانه سريع الحساب لأنه لا يحتاج إلى عقد ولا إعمال فكر قيل لعلي رضي الله عنه كيف يحاسب الله الخلائق في يوم فقال كما يرزقهم في يوم وقيل الحساب هنا المجازات وقيل معنى الآية سريع مجيء يوم الحساب يكون المقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة وقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات أمر الله سبحانه بذكره في الأيام المعدودات وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ومن جملة الذكر التكبير في أثر الصلوات قال مالك يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال الشافعي ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاثة تكبيرات ومن خواص التكبير وبركته ما رواه ابن السني بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التبكير يطفئه انتهى من حلية النووي وقوله تعالى فمن تعجل في يومين الآية قال ابن عباس وغيره
Page 159