ويرى ابن جرير أن الترابط الذي بين العبادة والاستعانة يقتضي جواز تقديم أي منهما على الآخر كما يجوز أن يقال: قضيت حقي فأحسنت إلي، أو أحسنت إلي فقضيت حقي، ويستفاد مما قاله أنه لا يرى ما يسوغ البحث في تقديم العبادة على الاستعانة.
الثاني:- في تقديم المعمول وهو { إياك } على العامل وهو { نعبد } و { نستعين } ، وذكروا له وجوها:-
أولها: الدلالة على الحصر والاختصاص، ومن هنا فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلا نعبد غيرك، ويراد به التبرؤ عن الشرك والتعريض بالمشركين.
ثانيها: أن المتقدم في الوجود أحق بالتقدم في الذكر، فالله تعالى كان قبل كل موجود، ولذلك كان الأنسب تقديم ذكره عن ذكر عبادته.
ثالثها: أن في تقديم ذكره تعالى تنبيها للعابد من أول الأمر على أن المعبود هو الله، فيوقظ ذلك الهمة في نفسه ويقضي على الكسل والتواني.
الثالث:- في المجيء بصيغة الجمع دون الإفراد في قوله { إياك نعبد وإياك نستعين } وفيه أقوال:
أولها: أن العبد يحتقر نفسه في مقام الخطاب لله عز وجل، ويستقل عبادته بجانب ما لله تعالى من منة أسبغها عليه وحق يجب له تعالى على العبد، فيجدر به أن يخاطبه مع غيره وأن يوجه عبادته إليه مختلطة بعبادة العابدين.
ثانيها: أن الإنسان مع خضوعه لأهل الدنيا وطلبه منهم ما يجدر طلبه من الله إن قال بمفرده إياك أعبد وإياك أستعين كان كاذبا، أما إن وجه الخطاب بصيغة الجمع الدالة على اشتراكه مع العابدين والمستعينين كان أبعد عن الكذب، لوجود من أخلص له العبادة وقصر الاستعانة عليه من بينهم.
ثالثها: أن صيغة الجمع أدعى إلى القبول والاستجابة من صيغة الإفراد لأن المخاطب يحشر نفسه في زمرة المخاطبين، ولا يعتد بخطابه بنفسه، وذكروا أنه مما يرشد إلى ذلك ما حكاه الله عن الذبيح إسماعيل عليه السلام من قوله:
ستجدني إن شآء الله من الصابرين
Page inconnue