إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان
[الأحزاب: 72] لذلك كانت أجدر بالعناية، فقدمت.
ثانيها: أن إسناد المتكلم العبادة إلى نفسه يوهم التبجح والاعتداد بما صدرعنه، فكان جديرا بأن يتبع ما يدل على أن العبادة لا تتم إلا بمعونة وتوفيق من الله وهذا يستفاد من جملة { وإياك نستعين }.
ثالثها: أن العبادة قربة محضة إلى الله تعالى، أما الاستعانة فقد تكون لمنفعة عاجلة.
رابعها: أن العبادة مطلوبة لله تعالى من العباد، والاستعانة مطلوبة للعباد من الله، وتقديم ما كان لله أولى مما كان للعباد.
خامسها: أن العبادة في جملتها واجبة لله تعالى على العبد، ولذلك كانت هي الغاية من خلق الإنس والجن، قال تعالى:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
[الذاريات: 56] أما الاستعانة فيختلف حكمها باختلاف حال المستعان عليه.
سادسها: أن العبادة أظهر مناسبة بذكر الجزاء فجيء بها بعده، والاستعانة أكثر التئاما مع طلب الهداية فجيء بها قبله.
سابعها: أن الاستعانة ثمرة للعبادة، فإن إخلاص العبادة لله يستلزم إفراده بالاستعانة، قال صاحب المنار: " ولا ينافي هذا أن العبادة نفسها مما يستعان عليه بالله تعالى ليوفق العابد للإتيان بها على الوجه المرضي له عز وجل، لا منافاة بين الأمرين لأن الثمرة التي تخرج من الشجرة تكون حاوية للنواة التي تخرج منها شجرة أخرى، فالعبادة تكون سببا للمعونة من وجه، والمعونة تكون سببا للعبادة من وجه آخر، كذلك الأعمال تكون الأخلاق التي هي مناشيء الأعمال، فكل منها سبب ومسبب، وعلة ومعلول، والجهة مختلفة فلا دور في المسألة ".
Page inconnue