168

[آل عمران: 37] وقوله:

لا يأتيكما طعام ترزقانه

[يوسف: 37].

وإن تعجب فعجب إدراجه الآيتين الأخيرتين فيما مثل له من إطلاق الرزق - مجازا حسب قوله - على غير ما أوتيه الجنس البشري، فإن الضمير في قوله تعالى: { وجد عندها رزقا } عائد إلى مريم - عليها السلام - والخطاب في قوله: { لا يأتيكما طعام ترزقانه } إنما هو لصاحبي السجن اللذين دخلاه مع يوسف الصديق - عليه السلام -، والجميع من الجنس البشري.

ونحن لا نسلم لهذه المجازية التي يدعيها في هاتين الآيتين وفيما قبلهما، فإن حمل الألفاظ على المجاز لا يكون إلا مع القرائن الصارفة لها عن حقائقها. وإذا عرفت أن الغاية من الرزق هي المنفعة أدركت أن الحيوان مرزوق حقيقة لأنه ينتفع برزقه، على أن قوله سبحانه: { وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها } ، يدخل في عموم مدلوله الإنسان؛ لصدق مفهوم الدابة لغة على كل ما يدب على الأرض، وإذا كان إطلاق الرزق على منافع الانسان حقيقة وعلى منافع الحيوان مجازا، لزم أن يكون لفظه في الآية حقيقة ومجازا في آن واحد، وهو مردود عند أهل التحقيق، ويؤكد أن الرزق ليس من اختصاص الإنسان قوله تعالى:

وكأين من دآبة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم

[العنكبوت: 60].

ومذهبنا ومذهب الأشاعرة وجمهور الأمة أن الرزق يشمل الحلال والحرام، كما تقدم ذكره في التعريف المنسوب إلى بعض الأشاعرة، وهذا لأن الحل والحرمة إنما هما بالنظر إلى العبد المرزوق لا إلى الرب الرازق، وخالفهم المعتزلة؛ فزعموا أن الرزق لا يكون إلا حلالا محضا، وهو مبني على قاعدتهم في وجوب مراعاة الصلاحية والأصلحية على الله - تعالى الله عن ذلك - ولعل ابتناء قولهم هذا على هذه القاعدة الفاسدة هو الذي شجع خصومهم على التشنيع عليهم في هذه المسألة.

ورأي الامام ابن أبي نبهان - رحمهما الله - أنها ليست من مسائل الأصول، فلا تشنيع عنده على المخالف فيها، والظاهر أنه لم يلتفت إلى تلك القاعدة التي قامت عليها، واحتجت المعتزلة لقولها بدلائل من الكتاب والسنة، ومدلول الكلمة نفسها.

أما الكتاب فقد استدلوا منه بقوله تعالى: { ومما رزقناهم ينفقون } وهو مدح لعباده المتقين بإنفاقهم من رزقه، وهو لا يمدحهم بإنفاق الحرام، وبقوله عز وعلا: { أنفقوا مما رزقناكم } ولا يأمر بالإنفاق من الحرام، وبقوله سبحانه:

Page inconnue