تَفسير سُوَرة البقَرَة
روى المفسرون عن ابن عباس ﵄، أن هذه السورة نزلت بالمدينة، وهي أول ما نزل بها، ولا ينافي هذا ما قيل من أن قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ (١) الآية نزلت بمكة، لأننا نقول على تسليم هذا القيل: نعم، إنها نزلت بمكة، ولكن في حجة الوداع، وكان النبي ﷺ مقيمًا بالمدينة، غاية الأمر أنها نزلت في إحدى أسفاره؛ ومئل ذلك لا تحصل به المنافاة، وحصولها إنما يكون لو قيل: إنها نزلت بمكة قبل الهجرة، ومما يؤكد أنها مدنية اشتمالها على أوصاف المنافقين، وهم لم يظهروا إلا في المدينة، وبيان هؤلاء يظهر مما يأتي:
وهو أن النبي ﷺ، لما أتى المدينة صار الكفار معه ثلاثة أقسام:
قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه، ولا يظاهروا عليه، ولا يوالوا عليه عدوه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم، وأموالهم.
وقسم حاربوه، ونصبوا له العداوة.
وقسم تاركوه، فلم يصالحوه، ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه، ئم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن، ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه، وانتصاره، ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوه في الباطن، ليأمن الفريقين، وهؤلاء هم المنافقون الذين ذكر الله أوصافهم في أوائل هذه السورة، وهذا من جملة الأدلة على أن هذه السورة مدنية.
﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)﴾.
_________
(١) سورة البقرة: الآية ٢٨١ وتمامها: ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
1 / 47