معرفة الله، ومراقبته في الدنيا، وأنى تصح المعرفة والمراقبة لمن يعتقد التصرف في الكون لغير الله تعالى؟ أم كيف يحصل التجلي، لمن يعتقد أن ثَمَّةَ ضارًا ونافعًا، ورازقًا ومتصفًا بصفات الكمال غير الله تعالى؟ أم كيف يتجاسر بالكذب على الله تعالى فيقول: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ من جعل من دونه أولياء اغتصب صفات الله فجعلها لهم، إن هؤلاء قد خاطبهم تعالى بقوله: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾ [المطففين: ١٤].
إن العبد إذا عبد الله كأنه يراه ولا يرى سواه، بأن استحضر قربه، وأنه بين يديه، أوجب ذلك له الخشية والخوف، والهيبة والتعظيم، والنصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها، وإتمامها، وإكمالها، فإذا لم يتيسر للمؤمن هذا المقام، فليجعل نفسه في المقام الذي هو أدنى منه، وهو ما أشار إليه ﷺ بقوله: "فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وذلك أن الأمور في عالم الحس ثلاثة: معاصي، وطاعات، ومباحات المعايش، والسالك إذا علم أن الله يراه في جميع حالاته، فإذا همَّ بمعصية وتذكر رؤية الله له كف ورجع عنها بحصول البرهان الإحساني عنده، وذلك هو البرهان الذي رآه يوسف ﵇، وإذا كان في طاعة، وقام عنده البرهان بأن الله يراه، انجذب سره إلى الخضوع والخشوع، وإخلاص العمل. اللهم إلا أن يكون زنديقًا جاحدًا للربوبية جحدًا حقيقيًا كالزنادقة والدهريين. أو يكون من أرباب الوسائط الذين لا يعرفون الله، إلا معرفة تقليدية مشوبة بإقامة ما لا يحصى من الأرباب.
وإذا كان في مباحات المعايش استحيا أن يعطيها جهده، ثم هو ينسى ما أوجبه عليه خالقه ﵎، ألا ترى أن العبد إذا فكر في مواطن الآخرة، من موت، وقبر، وحشر وغير ذلك، وعلم أنه معروض على الله تعالى في ذلك ومواطنه، تهيأ لذلك العرض بزينة أهل الآخرة ما استطاع، وإذا علم أن سره موضع نظر الله وجب عليه تصفيته لمولاه، وإصلاحه وتصفيته مما يكره الله أن يراه، وينظر إليه في قلوب أوليائه، فيزيل الصفات المهلكات ويطهره منها، ويتصف بالمحمودات حتى يجعل سره كالمرآة المجلوة.
1 / 39