وكان سويبط قد كف بصره بعد رسول الله ﷺ، فلقيه نعيمان في المسجد وهو يقول: من يخرجني حتى أبول؟ قال: أنا، وأخذ بيده فمضى به إلى زاوية في المسجد عامرة بالناس، فقال له: بل ههنا، فلما كشف ثوبه صاح الناس عليه من كل ناحية. فقال: من غرني؟ قالوا: نعيمان، فقال: لله علي لئن لقيته لأضربنه بعصاي؛ فلقيه بعد أيام فقال: أتحب أن أدلك على نعيمان لتوفي نذرك؟ قال: نعم، لله أبوك! فأخذ بيده حتى أتى عثمان بن عفان ﵁ وهو يصلي فقال: هذا هو. فرفع عصاه وضربه؛ فصاح به الناس وقالوا: أوجعت أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان، قال: لا يغرني بعدها.
وابتاع عبد الله بن رواحة جاريةً وكتم ذلك امرأته؛ فبلغا ذلك فالتمست كونه عندها فأخبرت بذلك؛ فلما جاءها قالت له: بلغني أنك ابتعت جاريةً وأنك الساعة خرجت من عندها، وما أحسبك إلا جنبًا؟ قال: ما فعلت، قالت: فاقرأ آيات من القرآن فقال:
شهدت بأنّ وعد الله حقٌ ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طافٍ ... وفوق العرش ربّ العالمينا
وتحمله ملائكةٌ شدادٌ ... ملائكة الإله مقربينا
فقالت: أما إذ قد قرأت القرآن فقد علمت أنك مكذوب عليك.
وافتقدته ليلةً أخرى فلم تجده على فراشها، فلم تزل تطلبه حتى قدرت عليه في ناحية الدار، فقالت: الآن صدقت ما بلغني فجحدها. فقالت: اقرأ آيات من القرآن، فقال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... كما انشقّ معروفٌ من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا أثقلت بالمشركين المضاجع
وأعلم علمًا ليس بالظنّ أنني ... إلى الله محشورٌ هناك فراجع
فقالت: آمنت بالله وكذبت ظني. فأخبر بذلك النبي ﷺ؛ فضحك وقال: هذا لعمري من معاريض الكلام، يغفر الله يابن رواحة خياركم خيركم لنسائكم.
وقال العجاج: أنشدت أبا هريرة:
طاف الخيالان فهاجا سقمًا ... خيال سلمى وخيالٌ تكتّما
قامت تريك رهبة أن تصرما ... ساقًا بخنداةً وكعبًا أدرما
فقال أبو هريرة: قد كان يحدي بها ونحن مع رسول الله ﷺ فلا ينكر.
زعم قوم أن إنشاد الشعر ينقض الوضوء
وقيل لابن سيرين: إن قومًا يرون أن إنشاد الشعر ينقض الوضوء؛ فقال:
نبّثت أن فتاةً كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطّول
ثم قال: الله أكبر ودخل في الصلاة.
وسئل عن ذلك مرة أخرى وقد استفتح الصلاة فأنشد للأعشى:
وتسخن ليلة لا يستطيع ... نباحًا بها الكلب إلاّ هريرا
وتبرد برد رداء العرو ... س بالصيف رقرقت فيه العبيرا
ثم كبر وصلى.
وقال جرير بن حازم: كنت في مسجد الجهاضم فقرضت بيت شعر، فقالوا: ما نراك إلا قد أحدثت فتوضأ، فذعرني قولهم؛ فأتيت ابن سيرين وقد قام إلى الصلاة فقلت: رويدك يا أبا بكر! فقال: مهيم؟ فعرفته، فقال: هلا رددت عليهم:
ديارٌ لرملة إذ عيشنا ... بها عيشة الأنعم الأفضل
وإذ ودّها فارغٌ للصدي ... ق لم تتغيّر ولم تتبدّل
كأنّ الثلوج وماء السحا ... ب والقرقفيّة بالفلفل
وماء القرنفل والزنجبي ... ل شيب به ثمر السنبل
يصبّ على برد أنيابها ... قبيل الصباح ولم ينجل
ثم قال: الله أكبر.
وقيل لابن سيرين: أنشد القذع من الشعر وأصلي؟ فقال:
وأنت لو باكرت مشمولةً ... صفراء مثل الفرس الأشقر
رحت وفي رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر
مساجلة بين ابن الأنباري وابن المعتز
وها هنا مساجلة جرت بين أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري وأبي العباس عبد الله بن المعتز، لها في هذا الموضع موقع وهي طويلة اختصرت منها موضع الحاجة:
1 / 15