واتصل ذلك بخالصة فشكته الى الرشيد فاستحضره وقال له يا فاسق ما حملك على هذا؟ فأجابه، ان الغلط وقع من الراوى بظنه الهمزة عينا - فأظهر الرضا به منخدعا للتكرم ومرضيا للشاكية - ومتى يذهب ذلك على مثل الرشيد وهو من جهابذة الشعر - وكما حكى عن عمر بن الخطاب وهو مع ذلك يتغابى فيه ويذب عن الحطيئة في هجائه الزبرقان لولا إفساد حسان بن ثابت ما رامه عمر من اصلاح ذات البين وقطع لسان الحطيئة عن نفسه الاصطناع ولم يزل هو واولو الهمم العالية والانفس الأبية يقتفون أثر رسول الله ﷺ في أمره بقطع لسان الشاعر بشفر البر ويتغفلون عن الشعراء اذا ساء أدبهم عند الهيم في واد لايعنيهم شأنه - ألا ترى تغافل عبيد الله وزير المعتضد عن علي بن بسام وقوله عند موت احد لبنيه -
قل لأبي القاسم المرجى ... قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن زينا ... وعاش ذو النقص والمعائب
حياة هذا كموت هذا ... فلست تخلو من المصائب
وبلغ عبي اللّع خبرها فدعا بالبسامى وقال له، يا علي كيف قلت؟ فاتقى الشر وقال مرتجلا، قد قلت -
قل لأبي القاسم المرجى ... لن يدفع الموت كف غالب
لئن تولى بما تولى ... وفقده اعظم المصائب
لقد خطت لك المنايا ... عن حامل عنك للنوائب
وانما اقتبس من قول ابن المعتز في تسلية عبيد الله -
قل للوزير كذا الزمان وصرفه ... والمرء ذو أجل يصير اليه
فلقد غبنت الدهر اذ شاطرته ... بأبي الحسين وقد ربحت عليه
وابو محمد الجليل مضابه ... لكن يمين المرء خير يديه
ولما خرج من عنده جمح به طبعه الى اعادة الاساءة فقال -
ابلغ وزير الامير عني ... وناد ياذا المصيبتين
يموت خلف الندى ويبقى ... خلف المخازى أبو الحسين
فانت من ذا عميد قلب ... وانت من ذا سخين عين
حياة هذا كموت هذا ... فالطم على الرأس باليدين
فانتشرت الابيات الاولى في الالسن وتمثل بها في كل شيء وهدت في لعب الشطرنج كالعادة من غير قصد - فحدث ابن حمدون النديم انه لعب بالشطرنج مع المعتضد يوما ما اذ دخل عب الله وهو يستأذنه في شيء ثم انصرف بما مثل له في ذلك الامر فلما ولى انشد المعتضد - حياة هذا كموت هذا - واشتغل باتمام الدست وهو يكرر البيت وعاد القاسم اليه لأمر آخر والمعتضد مشتغل بلعبه مكرر لما أنشد لاه عنه لايشعر بدخوله فاحتال ابن حمدون لتعريفه بحضوره فرفع اليه رأسه واستحيا منه حتى ظهرت حمرة التشوير في وجهه - وقال له؟ يا ابا الحسين (قد حمله الخجل على التكنية) لم لاتقطع لسان هذا الماجن ةتدفع شره عنك؟ فانصرف القاسم مبادرا وللفرصة في البسامى مهتبلا وامر بطلبه للتشفى منه ودهش ابن حمدون لذلك حتى ارتعشت يده وفسد لعبه إشفاقا على البسامى أن يلحقه مكروه فقال المعتضد؟ ما بدا لك؟ فقال يا أمير المؤمنين ان القاسم ليصطلى لباره وكالى به قطع لسان البسامى من فرط الحنق والرجل احد نبلاء الشعراء وفيما يناله سبه على امير المؤمنين - فامر باحضار القاسم وساله عما عمنل في حق البسامى فقال؟ تقدمت الى مؤنس بإحضاره لأقطع لسانه - قال؟ انما أمرناك ان تبره وتصله وتكرمه ليعدل عن هجائك الى مدحك - قال؟ يا امير المؤمنين لو عرفته حق المعرفة وسمعت قوله لاستجزت قطع لسانه - فاستدركها المعتضد وتبسم وقال؟ انما امرنا بتخريب البحيرة لذلك فتقدم انت باحضاره واخرج اليه ثلثمائة دينار فان ذلك احسن بنا من غيره؟ ففعل وخلع عليه وولاه بريد الصيمرة ولم يزل بعمارة البحيرة وتحفيفها بالرياض وانفق على الأبنية ستين الف دينار وكان يخلو فيها مع جواريه وله فيما بينهن حظية ستمى ذُريره فقال البسامى -
ترك الناس بحيرة ... وتخلى في البحيره
قاعدا يضرب بالطبل ... على حر ذريره
1 / 26