اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفَدَ الشُّعَرَاءُ إِلَيْهِ، فَأَقَامُوا بِبَابِهِ أَيَّامًا لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَوْمًا وَقَدْ (أَزْمَعُوا الرَّحِيلَ) (١) (مَرَّ بِهِمْ) (٢) بْنُ أَرْطَأَةَ، فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ:
يَا أَيُّهَا (الرَّاكِبُ) (٣) (الْمُزْجِي) (٤) مَطِيَّتَهُ ... هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قد مضى زماني
أَبْلِغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لاقيه ... (أني لذي) (٥) الْبَابِ كَالْمَصْفُودِ فِي قَرَنِي
لَا تَنْسَ حَاجَتَنَا أَلْفَيْتُ مَغْفِرَةً ... قَدْ طَالَ مُكْثِي عَنْ أَهْلِي وَعَنْ وَطَنِي
قَالَ: فَدَخَلَ عَدِيٌّ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الشُّعَرَاءُ بِبَابِكَ، وسهامهم مسمومة، وأقوالهم نافذة، قَالَ: وَيْحَكَ يا عدي، ما لي وَللشُّعَرَاءُ. قَالَ: أَعَزَّ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدِ امْتُدِحَ فَأَعْطَى، وَلَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: امْتَدَحَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، فَأَعْطَاهُ حُلَّةً قَطَعَ بِهَا لِسَانَهُ. قَالَ: أَوَ تَرْوِي مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فأنشده:
رأيتك بأخير الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... نَشَرْتَ كِتَابًا جَاءَ بِالْحَقِّ مُعْلِمَا
شَرَعْتَ لَنَا دِينَ الْهُدَى بَعْدَ جَوْرِنَا ... عَنِ الْحَقِّ لَمَّا أَصْبَحَ الْحَقُّ مُظْلِمَا
وَنَوَّرْتَ بِالْبُرْهَانِ أَمْرًا مُدَلَّسًا ... واطفأت بالبرهان نار تَضَرَّمَا
فَمَنْ بَلَّغَ عَنِّي النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... وَكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِمَا كَانَ قَدَّمَا
أَقَمْتَ سَبِيلَ الْحَقِّ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ ... وَكَانَ قَدِيمًا رُكْنُهُ قَدْ تَهَدَّمَا
تَعَالَى عُلُوًّا فَوْقَ (عَرْشِ) (٦) إِلَهِنَا ... وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَعْظَمَا
_________
(١) في (م) "وقد أجعوا على الرحيل".
(٢) في (م) "إذ مر بهم" بزيادة "إذ".
(٣) في النسخ الأخرى (الرحل) .
(٤) في (م) (المرخي) .
(٥) في النسخ (هـ)، و(م) "إني لدي) بالدال المهملة. وفي (م) "إنا" بضمير الجمع.
(٦) في (م) "العرش".
1 / 107