. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
وابن ماجة، في كتاب الزهد، ب اب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، ح (٤٢٩٥)، ٢/١٤٣٥. وابن خزيمة في التوحيد ص ٥٨، والآجري في الشريعة ص ٢٩٠، وأبو إسماعيل الهروي في الأربعين، ح (١٢)، ص ٥٥، بتحقيق الدكتور/ علي محمد ناصر فقيهي، وأورده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح (١٦٢٩)، ٤/١٧١.
والحديث يشتمل على إثبات ثلاث صفات هي: صفة الاستواء على العرش، وهي ما ساق المصنف الحديث من أجله، وقد تقدم الكلام عليها.
الصفة الثانية: صفة الرحمة، وهي من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة، وقد تقدم الحديث عنها تفصيلا.
أما الصفة الثالثة: فهي صفة الغضب، وهذه الصفة ثابتة لله تعالى كغيرها من الصفات، فقد ثبت بالقرآن كما ثبتت بالسنة، يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، النساء/ ٩٣. وقال: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾، البقرة/ ٦١، وقال: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾، آل عمران/ ١١٢، وقال تعالى: ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾، سورة النور/ ٩. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الواردة في هذا المعنى. إلا أن المتكلمين -جريا على عادتهم- أولوا هذه الصفة بحجة أن إثباتها فيه إضافة نقص الله تعالى، لأن الغضب غليان دم لطلب الانتقال -بزعمهم- لذلك أولوا الغضب بإرادة التعذيب.
راجع مشكل الحديث لابن فورك ص ٣٩٥، وقال محققه: والمراد بالغضب لازمه وهو أيضا العذاب إلى من يقع عليه الغضب. انظر هامش مشكل الحديث ص ٣٩٤.
وقد رد الإمام ابن تيمية على تأويلهم وشبهتهم فقال: وأما قول القائل: "الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام" فليس بصحيح في حقنا، بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلا.
وأيضا فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب، كما أن الحياء يقارن حمرة الوجه، والوجل يقارن صفرة الوجه، لا أنه هو. وهذا لأن النفس إذا قام بها دفع المؤذي، فإن استشعرت القدرة فاض الدم إلى خارج فكان منه الغضب، وإن استشعرت العجز عاد الدم إلى داخل، فاصفر الوجه كما يصيب الحزين.
وأيضا فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فلا هو مماثلا لنا، لا لذواتنا، ولا لأرواحنا، وصفاته كذلك.
ونحن نعلم بالاضطرار أنا إذا قدرنا موجودين: أحدهما عنده قوة يدفع بها الفساد، والآخر لا فرق عنده بين الصلاح والفساد، كان الذي عند تلك القوة أكمل. ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش كالديوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلمين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش، وحمية يدفع بها الظلم، ويعلم أن هذا أكمل من ذلك، ولهذا وصف النبي ﷺ الرب بالأكملية في ذلك، فقال في الحديث الصحيح: "لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" وقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا أغير منه".
وقول القائل: هذه انفعلات نفسية. فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل، ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلا لها عاجزا عن دفعها، وكان كل ما يجري في الوجوه، فإنه بمشيئته وقدرته، لا يكون إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يكون، له الملك وله الحمد. انتهى. الفتاوى ٦/١١٩-١٢٠. وهكذا نرى أن القوم أولوا النصوص المثبتة لهذه الصفة مع أنها ثابتة بالعقل -على الوجه الذي ذكره شيخ الإسلام- كما هي ثابتة بالنص أيضا. ويلزم في المعنى الذي فروا إليه ما ألزموا به أنفسهم في المعنى الذي فروا منه، لأن الإرادة يقال فيها ما يقال في غيرها من الصفات، فيمكن أن يقال إنها ميل النفس وهذا انفعال نفسي، فقالوم يقيسون الغائب على الشاهد فيشبهون أولا ثم ينتقلون إلى مرحلة التأويل، فجمعوا بين التشبيه والتعطيل، وهذا شأن كل مبطل، يبدأ من باطل وينتهى إليه، والحال أن منهج الإثبات المقرون بالتنزيه هو المنهج الأقوم الذي لا سبيل إلى نقده. ولذلك وافق السلف بمنهجهم هذا العقل كما وافقوا النقل، أما المتكلمون فقد خالفوا النقل، وخالفوا العقل أيضا من حيث ظنوا أنهم وافقوه.
1 / 99