. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله ﷿ باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا.
فإنه إنما يقال استولى على الشيء إذا كان ذلك الشيء عاصيا عليه قبل استيلائه عليه ... ولا نجد أضعف من حجج الجهمية حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح، وليس فيه حجة. ابن كثير نفس المصدر ٩/٢٦٢.
أقول: وليس استدلالهم هذا عجيبا ولا غريبا، فقد استدلوا بكلام هذا النصراني ذاته في أخطر صفة من صفات الله تعالى ألا وهي صفة الكلام، فإفلاسهم هنا امتداد لإفلاسهم هناك.
وهذا التأويل مرفوض تماما حتى من جهة اللغة -فضلا عما يشتمل عليه من معان لا يجوز إضافتها إلى الله سبحانه- فقد رد ابن الأعرابي -من علماء اللغة- على أصحاب هذا التأويل بقوله لمن قال له: إنما معنى استوى استولى: ما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل استولى عليه، والله تعالى لا مضاد له، فهو على عرشه كما أخبر. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص ٤١٢. وانظر: تأويلات من أول بهذا المعنى وهم المعتزلة، والأشاعرة، في: الأسماء والصفات للبيقهي ص ٤١٠، وغاية المرام في علم الكلام للآمدي ١٤١، والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص ١٠٤، ومتشابه القرآن للقاضي عبد الجبار ١/٧٣، ٣٥١.
وذكر الإمام ابن القيم تأويلا آخر ذهب إليه بعض القوم، وهو تأويلهم استوى بمعنى أقبل، ورد عليه فقال ﵀: تأويل قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش﴾ (لأعراف: من الآية: ٥٤)، بأنه أقبل على خلقه، فهذا إنشاء منهم لوضع لفظ (استوى على) أقبل على خلقه، وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة، فإنهم ذكروا معاني استوى، ولم يذكر أحد منهم أصلا في معانيه الإقبال على الخلق، فهذه كتب اللغة طبق الأرض، هل تجدون أحدا منهم يحكي ذلك على اللغة؟ وأيضا فإن استوى الشيء، والاستوى إليه وعليه يستلزم وجوده، ووجود ما نسب إليه الاستواء بـ إلى أو بـ على، فلا يقال: استوى إلى أمر معدوم، ولا استوى عليه، فهذا التأويل إنشاء محض، لا إخبار صادق عن استعمال أهل اللغة.
الصواعق المنزلة ١/١٥٥.
والتفسير الصحيح للاستواء الذي ذهب إليه السلف هو تفسير استوى بمعنى علا، لأن
1 / 93