المباحث وَإِن كثرت إِلَّا مَا دق وغمض جدا كَمَا أَن عَيْنك المبصرة تدْرك جَمِيع المبصرات وَإِن كثرت فَمَا دق على فطرتك فِي الْعُلُوم تركته لَا سِيمَا مَعَ دقته الشّبَه الْمُعَارضَة لَهُ وَلم تكلّف فِيهِ مَا لم تعلم مثل مَا إِن دق على بَصرك من المرئيات تركته كبعض الْأَهِلّة فِي أَوَائِل الشُّهُور سِيمَا مَعَ القتر والغيم
الْبَاب الأول إِثْبَات الْعُلُوم
فَأول شَيْء اخْتلف الْخلق فِيهِ اثبات الْعُلُوم فِي الْجُمْلَة عقلا مَعَ اجْتِمَاع الشَّرَائِع على ثُبُوتهَا فَانْظُر هَل يخفي عَلَيْك الصَّوَاب فِي ذَلِك فَإِن طوائف من الفلاسفة والاتحادية من الصُّوفِيَّة أَنْكَرُوا صِحَة الْعُلُوم أما الفلاسفة فَرَأَوْا الْبَصَر الصَّحِيح يُخطئ لعوارض نادرة فِي مَوَاضِع كرؤية النَّجْم سَاكِنا وَهُوَ يَتَحَرَّك قطعا بِدَلِيل انْتِقَاله وَكَذَلِكَ رُؤْيَة الظل سَاكِنا ورؤية الْمُسْتَقيم فِي المَاء أَعْوَج ورؤية الْأَحول الْوَاحِد اثْنَيْنِ ورؤية الْقَائِم فَوق المَاء منكوسا فِي المَاء ورؤية السحر وَالنَّوْم والكشف وَالْمَرَض وَإِن كَانَ فِي رُؤْيَة النّوم والكشف صَحِيح وباطل وَالصَّحِيح مِنْهُمَا قد يحْتَاج التَّأْوِيل وَلَا يكون على ظَاهره بِكُل حَال وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَكِن شبه لَهُم﴾ فَالَّذِينَ قصدُوا قتل عِيسَى ﵇ رَأَوْا مثله فاعتقدوا أَنه هُوَ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذ يريكموهم إِذْ التقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا ويقللكم فِي أَعينهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا﴾
وَالْجَوَاب أَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَن هَذِه الْأَشْيَاء كَانَت لعوارض تخْتَص بِهَذِهِ الْمَوَاضِع وَنَحْوهَا وَلَا يقْدَح ذَلِك فِي جملَة الرُّؤْيَة وجميعها وَلَا يُمكن أَن نشك لذَلِك فِي وجودنا وَوُجُود الْعَالم وشروق النيرات وَإِنَّهَا تجْرِي فَوْقنَا وتضيئنا وَإِن الْأَعْمَى فَاقِد لهَذِهِ النِّعْمَة والأليم مُخَالف للمعافى وَلَا يُمكن دفع شبههم إِلَّا بوجدان هَذَا الْعلم الْمَخْلُوق فِينَا نعْمَة علينا من الله لَا بتحرير دَلِيل لِأَن الدَّلِيل إِنَّمَا يصبح بعد تَسْلِيم الْعُلُوم الضرورية بل نقُول
1 / 37