L'Islam comme partenaire
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
بل لقد نشأت فرقة كلامية تؤيد الأمويين وتبرر الطاعة والإخلاص للخلفاء تبريرا دينيا، وهي فرقة المرجئة. والفكرة الأساسية لهذه الفرقة تذهب إلى أن المسلم لا يمكن أن يفقد إيمانه بسبب وقوعه في الإثم، وأن الحكم على الخارج على الجماعة الإسلامية ينبغي أن يؤجل إلى يوم الدين. وهكذا يبقى الحاكم مسلما حتى ولو ارتكب الكبائر، كما تبقى الجماعة مدينة له بالطاعة.
17
هذا التصور الذي ذهبت إليه المرجئة سرعان ما امتد تأثيره وتعاظم. فقد تبناه من الناحية العملية الاتجاه الوسطي في الإسلام، وهو الاتجاه الذي يسعى إلى التوسط بين وجهات النظر المتطرفة والتوفيق بينها. وهذا الاتجاه لا يتجاهل آثام الحكام وخطاياهم، ولا ينكر المبادئ القديمة التي تقوم عليها الدولة الإسلامية الشرعية. ولكنه يعلن أن نظام الدولة ووحدة الجماعة يتطلبان أن يطيع الناس في كل الأحوال صاحب السلطة الفعلي، حتى ولو كان من الناحية الشخصية أحط الناس وأحقرهم. «سلطان (إمام أو أمير) ظالم غشوم خير من فتنة تدوم»، هكذا يقول نص حديث شريف نشره أصحاب هذا الاتجاه الوسطي.
18
أو كما يقول نص آخر (ينسب - في رأي السيوطي - لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لا إلى النبي عليه السلام): «حتى مع الأمير الآثم يؤمن الله الطرق. ويقاتل الأعداء في الجهاد، ويحصل الضرائب، وتحت حكم أمير آثم تنفذ الحدود، ويتم الحج إلى مكة، ويستطيع المسلم حتى وفاته أن يؤدي شعائر دينه.»
19
وإذا وجد المسلم أن هذا الموقف يتعارض مع واجبه في النهي عن المنكر، فإن الحديث الشريف ينصفه ويعطيه الحق في الوقوف مع الواجب ولو كان ذلك بقلبه وحده: «من رأى منكم منكرا فليغيره (أو فلينكره) بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان.»
20
وأخيرا فإن السلطة من الله، وإذا أثمت، كان الأمر في ذلك بينها وبين الله: «لا تسبوا الولاة: فإنهم إن أحسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وإنما هم نقمة ينتقم الله بها ممن يشاء، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية والغضب، واستقبلوها بالاستكانة والتضرع.»
21
Page inconnue