L'Islam comme partenaire
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
ولكن هذا التعبير عن الثقة الشديدة للإنسان في نفسه لا يعني الغرور ولا الغطرسة التي لا حد لهما، لأننا نجد من ناحية أخرى أن إقبال يفسر «الأمانة» التي عرضها الله سبحانه على الإنسان بأنها هي عبء الشخصية التي تمنحه حرية الاختيار بين الخير والشر، وتفتح أمامه آفاق تحقيق الخلود الشخصي عن طريق الجهد الذاتي (تجديد الفكر الديني، 119 وما بعدها) والواقع أن المنزلة العظيمة التي يرفع إقبال الإنسان إليها هي ثمرة تطور روحي هائل وتحتاج إلى الكفاح المستمر للوصول إلى الكمال (شيميل، المرجع السابق الذكر، صفحة 108، 111، 113، 253).
21
والمهم أن تصور إقبال ينطوي على رؤية اجتماعية بناءة. فوظيفة الإنسان كنائب عن الله سبحانه يفترض أن تتحقق في دولة إسلامية مثالية، تكون فيها الأرض كلها (أي وسائل الإنتاج) ملكا لله، في الوقت الذي يكون فيه واجب الإنسان أن ينتج الثروة لمصلحة البشرية كلها (أحمد، المرجع السابق، ص159).
لو اتجهنا الآن من التحديثيين إلى الأصوليين - أو من يسمون أحيانا بالشموليين، وهم الذين يرون أن الدين فيه الإجابة عن كل أسئلة الحياة الخاصة والعامة - فسوف يدهشنا أن نجدهم كذلك يعتبرون أن الإنسان هو النائب عن الله في أرضه. ويقرر سيد قطب (1906-1966م)،
22
ولعله أهم علماء الدين في جماعة الإخوان المسلمين (في تفسيره للآية الكريمة
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ... (الآية 30 من سورة البقرة)) يقرر أن الإرادة العليا قد سلمت مقاليد الأرض للإنسان وأعطته حرية التصرف، «ووكلت إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين والتنويع والتركيب»، ومنحته الملكات والقدرات التي يحتاجها لأداء هذه المهمة. بذلك تمت الوحدة والتنسيق بين نواميس الكون وبين القوانين والأحكام المفروضة على الإنسان. وبذلك أيضا بلغ الإنسان منزلة رفيعة في نظام الكون في مجموعه.
23
ويواصل سيد قطب شرحه للآية الكريمة السابقة الذكر، ولكنه - على العكس من محمد عبده ومحمد إقبال - لا يتعمق في مسألة تشكيل الإنسان للعالم بعقله وإرادته الحرة المستقلة؛ إذ يبدو أن الأهم في نظره هو التوفيق بين جعل الإنسان نائبا عن الله في الأرض، وبين حقيقة أن الله سبحانه قد ترك آدم وحواء يقعان في الخطيئة قبل إرسالهما إلى الأرض، وأن الملائكة تتنبأ - بحق - بأن الإنسان سيفسد في الأرض ويسفك فيها الدماء. ويذهب سيد قطب إلى أن العقل البشري محدود، وأنه لا يستطيع أن يدرك هذه الحقائق الميتافيزيقية. ومع ذلك فإن المؤمنين مدعوون لقبول البيان القرآني - كما يتجلى في الآية الكريمة السابقة - ليكون مرشدا لهم ويهديهم في سلوكهم واعتقادهم.
24
Page inconnue