L'Islam comme partenaire
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
ومن الطبيعي ألا تكون هذه المطالب موجهة إلى المسيحيين وحدهم، فهي توجه بالمثل إلى غير المسيحيين. ويعلم الأستاذ كينج مدى الاختلاف الشاسع بين موقف المسيحية المتماهية على نطاق واسع مع الغرب المهيمن والعدواني، وبين موقف «عالم ثالث لم ينس على الإطلاق تاريخ الاستعمار وتاريخ حركات التبشير التي امتزجت به. وإذا توقع البعض أن يتخلى الناس هناك (أي في العالم الثالث) عن شيء من معتقداتهم الإيمانية القديمة، فلا شك في أن ذلك سينظر إليه بحق على أنه تهديد لهويتهم الحضارية والدينية» (ص97). والمهم في نهاية التحليل أن كينج، الذي يتكلم كمسيحي، تحركه دوافع مستمدة من ظروفنا التاريخية المعقدة: «في عصرنا الجديد - عصر ما بعد الكولونيالية (الاستعمار) وتعدد المراكز، وما بعد الحداثة - حان أوان إقامة الحوار بين المسيحية والأديان العالمية على أساس عريض وعلى نطاق واسع» (ص104).
إن حوارا يتم بهذه الروح السمحة يبدو أمرا ممكنا ومفيدا. ومع ذلك فلا يجوز أن نطالبه بما هو فوق طاقته. فالصراعات الكبرى في عصرنا لا ترجع في الواقع لخلافات دينية، ولذلك فإن الأديان ستجد نفسها في موقف يتعذر معه أن تتمكن من حلها بصورة فعالة. ومع ذلك فإن الحوار بينها يمكن أن يصلح الأجواء ويمهد لإيجاد الحلول وإزالة العقبات. ولعل أهم نتيجة يمكن أن تتمخض عن مثل هذا الحوار هي في تقديري أن تتأكد جميع الأطراف المشتركة فيه من أن الأطراف المتعارضة لا تريد أن تدمرها أو تؤذيها، وأنها لا تهدف إلى الصدام معها، وإنما تسعى إلى تفهم الآخرين والتوصل إلى أسس مشتركة يقوم عليها التعايش البناء والتعاون المثمر. ومثل هذا الحوار ينبغي أن يتم على جميع المستويات الممكنة، كما ينبغي بطبيعة الحال أن يدور بين الممثلين الرسميين للجماعات الدينية المختلفة (ولذلك أعتقد أن الجهود الأخيرة التي بذلت بهذه الروح بين أئمة الجماعات الدينية في لبنان تستحق الثناء العظيم والمساندة القوية) وينبغي أخيرا على رجال السياسة والاقتصاد أن يضعوا الحوار بين الأديان في تقديرهم ويجعلوه أحد اهتماماتهم في أثناء اللقاءات التي تتم بينهم، لا سيما عندما يلتقون لحل المشكلات الدولية. بل ينبغي أن يدور الحوار بين كل شعوب الديانات المختلفة الذين يلتقون ويتناقشون كل يوم وكل ساعة على مستوى العالم بأسره، وفي جميع المناسبات الممكنة، في الزيجات المختلطة والمشروعات الاجتماعية المشتركة، في الاحتفالات الدينية أو في المبادرات السياسية (ص138).
وأعتقد أخيرا أن هناك دورا خاصا يقع عبء القيام به على أكتاف الباحثين، ولا يقتصر الأمر في ذلك على علماء اللاهوت. بل يشمل المتخصصين في الأديان المختلفة والمعنيين بالدراسات المقارنة. صحيح أن الأمر يقتضي، حين تظهر الحاجة إلى الحصول على معلومات دقيقة عن أحد الأديان، أن يتوجه الناس في المقام الأول إلى أصحاب هذا الدين الذين يمكنهم أن يتحدثوا عنه «من داخله». غير أن الخبراء الذين يتحدثون «من الخارج» لهم كذلك أدوار ووظائف يمكنهم القيام بها. ومن الطبيعي ألا ننتظر الموضوعية الكاملة من كلا الفريقين، فتفكير الباحثين، شأنهم في هذا شأن جميع البشر، يتأثر بالضرورة بالبيئة المحيطة بهم ومعتقداتهم (التي يمكن أن تكون ديانة أخرى يعتنقونها أو اقتناعا بأن الأديان في مجموعها لا قيمة لها أو أنها ضارة ومؤذية)، ولكن إذا كان هؤلاء الباحثون على درجة طيبة من الكفاءة، فإنهم سيسعون على الأقل للوصول إلى قدر من الموضوعية، وسيمارسون النقد الذاتي على أفكارهم وآرائهم، وسيكونون قادرين على التعبير عن معارفهم بلغة بسيطة يمكن أن تفهم بسهولة بدلا من اللغة التقليدية التي يستخدمها أبناء ديانة معينة يتحدثون عنها «من داخلها». ويستطيع الباحثون فضلا عن ذلك كله أن يستخدموا المناهج المتبعة في أنظمة معرفية أخرى، وبذلك يتمكنون من وضع كل ظاهرة في سياقها التاريخي الخاص، ومن تصحيح الطرق غير التاريخية في النظر والإدراك كما فعل هنتنجتون في كتابه عن صدام الحضارات.
وأخيرا أذكر بأن ما قلته عن دور الباحثين العلميين يجب ألا يفهم منه أنه يسير في اتجاه واحد. فالمستشرقون الغربيون ليسوا هم وحدهم المطالبين بالمساهمة في حوار الأديان بدراستهم لأديان الشرق وحضاراته ولغاته.
إن الباحثين «الشرقيين» ينبغي عليهم أيضا - بوصفهم مستغربين أو دارسين للغرب - أن يعكفوا على دراسة المسيحية والحضارة الغربية بحيث يمكنهم، من الخارج، أن يتعرفوا على مشكلات الغرب ويشاركوا على هذا الأساس بدورهم في الحوار. والواقع أن هذا التطور قد حدث منذ وقت طويل، والدليل على هذا أن عددا غير قليل من الباحثين العرب قد دبجوا بحوثا قيمة وجديرة بكل التقدير عن التاريخ الأوروبي والآداب الغربية ... إلخ. ومن الواجب أن تجد مثل هذه البحوث الأخيرة المزيد من الالتفات والتشجيع.
وأخيرا فسوف يسعدني كل السعادة أن يجد أعضاء المعهد الشرقي في بيروت، وأصدقاؤه وضيوفه، في هذه الملاحظات التي عبرت عنها شيئا يدفعهم إلى البحث والمناقشة، مع أطيب تمنياتي القلبية للمعهد ومشروعاته العلمية المقبلة.
الفصل الثالث
عشر قضايا عن الأصولية الإسلامية
(1991م) «إذا اعتبرنا أن الأصولية الإسلامية هي رد فعل لموقف تاريخي محدد، فلا يجوز أن نتوقع لها أن تفقد أهميتها وتأثيرها قبل أن يتغير الموقف تغيرا جذريا.»
شتيبات
Page inconnue