فقال: والله لا نَزلتُ على حكمه أبدًا. فقاتلوه، وكان أكثر مقاتليه المكاتبين له، والمبايعين له، فلعنة الله على قاتليه مرة، وعلى خاذليه مئة مرة؛ حيث جعلوا آل بيت رسول الله ﷺ فِداءً لأنفسهم، قاتلهم الله ما أغدرهم وأخذلهم! !
ومن ثَمَّ قال لهم أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه: والله لو قدرت لبعتكم بأهل الشام؛ صَرفَ الدرهم بالدينار، كل عشرة منكم بواحد منهم.
فحارب ﵁ ذلك العدد الكثير، ومعه من أهله نيف وثمانون، فثبت في ذلك الموقف ثباتًا باهرًا، ولولا أنهم حالوا بينه وبين الماء ما قدروا عليه.
فلما بلغ القتلى من أهله خمسين نادى: أما ذابٌّ يذُبُّ عن حريم رسول الله ﷺ؟ فخرج يزيد بن الحارث رجاء شفاعة جده ﷺ، فقاتل بين يديه حتى قتل، ثم فني أصحابه، وبقي بمفرده، فحمل عليهم حملة عمه حمزة وأبيه عليّ ﵄، وقتل كثيرًا من شُجعانهم، فكثروا عليه حتى حالوا بينه وبين حريمه.
فصاح ﵇: كفوا سفهاءكم عن النساء والأطفال. فكفوا.
ثم لم يزل يقاتلهم حتى أثخنوه بالجراح؛ لأنه طُعِنَ إحدى وثلاثين طعنة، وضرب أربعًا وثلاثين ضربة.
ومع ذلك غلب عليه العطش فسقط على الأرض، وحزوا رأسه الشريف يوم الجمعة عاشر محرم عام إحدى وستين.
ولما وضعه قاتله بين يدي اللعين ابن زياد أنشد متبجحًا شعرًا:
أوقر ركابي فضة وذهبا ... أني قتلت ملكًا مُحجبا
قتلت خير الناس أُمًّا وأبا ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فأمر بضرب عنقه، وقال: إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته؟ !
والظاهر: أنه ما قتله إلَّا لأنه مدحه، لا لأنه قتله.
ويَدُلّ لذلك أنه جعل الرأس الشريف في طست، وجعل يضرب ثناياه الشريفة بقضيبٍ، ويدخله أنفه، ويتعجب من حسن ثغره.
1 / 66