فجاء إلى عمر ﵁ يشتكي إليه شدة الخراج، فقال له عمر ﵁: ماذا تُحْسِن من العمل؟ فذكر له أعمالًا كثيرة، فقال له عمر ﵁: ما خراجك بكثير في كَفّةِ عملك. فانصرف ساخطًا يتذمر.
وفي رواية قال: وما تعمل؟ قال: الأرحاء. وسكت عن سائر أعماله، قال: في كم تعمل الرَّحَى؟ فأخبره، قال: وبكم تبيعها؟ فأخبره، فقال: لقد كلفك يسيرًا، انطلق فأعط مولاك ما سألك.
فلما وَلّى قال عمر ﵁: ألا تجعل لنا رحى؟ .
وفي رواية: قال له: ألم أُحَدثْ أنك تقول: لو أشاء لصَنعتُ رحى تطحن بالريح؟ ! فالتفت العبد ساخطًا على عمر ﵁، ومع عمر رهط، فقال: لأصنعنَّ لك رحى يَتحدّث الناس بها، فلما وَلّى العبد، أقبل عمر ﵁ على الرهط الذي معه، فقال: أوعدني العبد آنفًا.
وفي رواية: قال: بلى؛ أجعل لك رَحى يَتحدّث بها أهل الأمصار. ففزع عمر ﵁ من كلمته، وعليٌّ كرّم الله وجهه معه، فقال: ما تراه أراد؟ قال: أوعدك يا أمير المؤمنين.
قال عمر ﵁: يكفينا الله، قد عَلمتُ أنه يريد بكلمته غدرًا.
فخرج عمر ﵁ إلى الحج، فلما صدر اضطجع بالمُحصَّب، وجعل رداءه تحت رأسه، فنظر إلى القمر فأعجبه استواؤه وحسنه، فقال: "اللهم؛ إنَّ رعيتي قد كثرت وانتشرت، فاقبضني إليك غير عاجزٍ ولا مضيع".
فصدر إلى المدينة. ورأى عمر ﵁ في المنام أنَّ ديكًا أحمر نقره نقرتين أو ثلاثًا بين السُرّة والثُّنَّةِ، فقالت أسماء بنت عُميس أم عبد الله بن جعفر: قولوا له فَليُوص؛ فإنه يقتله رجلٌ من الأعاجم. وكانت تَعبُر الرؤيا.
وروى أبو يعلى، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي عن أبي رافع قالوا: كان أبو لؤلؤة عبدًا للمُغيرة بن شعبة، وكان يَصنعُ الرحى، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر ﵁ فقال: يا أمير المؤمنين: إِنَّ المغيرة قد
1 / 34