لِكَوْنِهِمَا فِي الْإِسْنَادِ، سَوَاءٌ كَانَ طَرَفَاهُ حَقِيقَتَيْنِ، نَحْوَ: سَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ أَوْ مَجَازَيْنِ نَحْوَ أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنِ اتَّبَعَهُ فِي عَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ -أَيْضًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَّهُ أَنْ يُجِيبَ: بِأَنَّ مَجَازَاتِ الْأَطْرَافِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فيه، ولها حقائق مجاز الْإِسْنَادِ لَيْسَ لَفْظًا، حَتَّى يُطْلَبَ لِعَيْنِهِ حَقِيقَةٌ ووضع بل له معنى حَقِيقَةٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَاجْتِمَاعُ الْمَجَازَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ حَقَائِقِهَا.
وَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ الْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ فِي الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ١، نَحْوَ طَارَتْ بِهِ الْعَنْقَاءُ٢، وَأَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى، فَلَا بد أن يقول بِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ. وَمَنْ نَفَى الْمَجَازَ الْمُرَكَّبَ أَجَابَ عَنِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ بِأَنَّهُ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ٣ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْعَرَبِ أَنْ يَعْتَبِرُوا الْقَابِلَ فَاعِلًا، نَحْوَ مَاتَ فُلَانٌ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا الْإِسْنَادَ إِلَى الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي أَنْبَتَ اللَّهُ، وَخَلَقَ اللَّهُ فَكَذَا سَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ؛ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِأَحْدَاثِ الْفَرَحِ وَنَحْوِهَا مِنَ الصُّوَرِ الْإِسْنَادِيَّةِ.
وَأَشَفُّ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الرحمن مجاز في الباري سبحانه؛ لأنه مَعْنَاهُ ذُو الرَّحْمَةِ، وَمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ -وَهُوَ رِقَّةُ الْقَلْبِ- لَا وُجُودَ لَهُ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْعَرَبَ قَدِ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَقَالُوا لِمُسَيْلَمَةَ٤: هُوَ رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ.
وَرُدَّ: بِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّ مُسَيْلَمَةَ رَقِيقُ الْقَلْبِ حَتَّى يَرِدَ النَّقْضُ بِهِ، وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلنَّافِي أَنَّ أَفْعَالَ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ هِيَ أَفْعَالٌ مَاضِيَةٌ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي فَكَانَتْ مَجَازَاتٍ لَا حقائق لها.