والسابع: أنها حروف من حساب الجمل، لما روى عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله قال: مر أبو ياسر ابن أخطب ورسول الله يتلو فاتحة الكتاب وسورة البقرة " الم ذلك الكتاب " فأتاه أخوه حيي بن أخطب، فأخبره، فقال حيي بن أخطب: وأقبل على اليهود، فقال لهم: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، وهذه أحد وسبعون سنة، ثم ذهب حيي مع هؤلاء النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لرسول الله فهل معك غير هذه ؟ قال نعم " المص " قال أثقل وأطول، والألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه أحد وستون ومائة سنة، ثم قال هل معك غير هذه يا محمد ؟ قال نعم. قال ماذا ؟ قال: " الر " فقال هذا أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة، فهل مع هذا غيره ؟ قال نعم: " المر " قال هذا أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة. قال: لقد التبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليل أعطيت أم كثير. ثم قاموا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو ياسر لأخيه حيي ولمن معه من اليهود: وما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة سنة وأربع وثلاثون سنة. قالوا: والله لقد تشابه علينا أمره، قيل فنزلت فيهم " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولوا الألباب " .
والثامن: أنها حروف هجاء، أعلم الله بها العرب حين تحداهم، أن تلاوة القرآن بحروف كلامهم هذه التي عليها بناء كلامهم، ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم، إذ لم يخرج تلاوته عن مباني كلامهم.
جواب ثاني: وهو أنك تقول: إذا قلتم أن الحرف المفرد إذا أتى به في تلاوة كلام الله هو نفس كلام الله، فما تقولون فيمن أسقط شيئا من كلام الله، أيجوز ذلك أم لا ؟: فلا بد من أن يقولوا لا يجوز. فيقال لهم: خبرونا عن جماعة من القراء من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان الذين قرؤوا " ملك يوم الدين " وهم الأكثر، قد أسقطوا ألفا هي في قراءة غيرهم. لأن غيرهم يقرؤون مالك بالألف. فإن قالوا: أخطئوا فلا يجوز لهم ذلك. وهو القول الصحيح الصواب. قلنا: فصح أن الألف ليس نفس كلام الله القديم، لأنه لا يجوز لأحد أن يسقط منه شيئا، وإنما الألف صفة قراءة دون قراءة، فالمقروء مع إثبات الألف هو المقروء مع إسقاط الألف شيء واحد، لا يزيد بزيادة الحروف ولا ينقص بإسقاط الحروف، والقراءة تزيد بزيادة الحروف وتنقص بإسقاط الحروف، وقد قيل: إن من قرأ القرآن بقراءة ابن كثير كتب له أجر ختمة وثلث، لأنه يزيد في الحروف أكثر من سائر القراء لأنه يقرأ لديه وإليه وعليه، والكسرة عندهم تقوم مقام حرف، وقرأ في التوبة " تجري من تحتها الأنهار " وهذا يوضح لك أن قوله صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات أن الحروف عائدة إلى القراءة. وطول حروفها دون المقروء الذي هو كلام الله تعالى لا يزيد ولا ينقص. وسنذكر ذلك في الجواب عن هذا الخبر إذا احتجوا إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
جواب آخر: وهو أنك تقول: خبرونا عن حروف كلام الله على زعمهم، أهي ثمانية وعشرون حرفا أو أكثر أو أقل ؟ فإن قالوا هي ثمانية وعشرون حرفا فقد جعلوا القديم مما يحله الحصر والعد والافتتاح والانتهاء وهي صفة المخلوقات لا صفة القديم. وإن قالوا: أكثر. قلنا: أكثر إلى ما له حد أو إلى ما لا حد له ؟ فأي القولين قالوا كان باطلا، لأن القرآن لا يخرج في الكتابة والتلاوة على أكثر من هذه الثمانية وعشرين حرفا، فعلى قولهم يجب أن يكون معنا بعض القرآن لا كله، لأن القرآن عندهم حروف يزيد على هذه الحروف، ولعل الذي يكون معنا من القرآن أقله، لا سيما إن قالوا إن الحروف القديمة لا يدخلها حصر ولا عد، وهذا قول ساقط واه عند كل عاقل محصل، فلم يبق إلا أن الحروف والأصوات أدوات نكتب بها ونتلو بها الكلام القديم، وغير الكلام القديم، لا أنها نفس الكلام. فافهم ذلك.
Page 47