### || ### || ### || ### || ويدل على صحة
ذلك أيضا: أنه حي، قادر، عالم، أنا لو جوزنا صدور أفعال محكمة متقنة من غير حي، عالم، قادر، لم ندر لعل جميع ما يظهر لنا من أفعال الناس من الكتابة والصناعة وسائر الصنائع لعلها لنا منهم وهم أموات عجزة جهلة، ولعل لنا في هذه المسألة المناظر عليها ميت عاجز.
مسألة
الإرادة
ويجب أن يعلم: أن الله مريد على الحقيقة لجميع الحوادث، والمرادات، والدليل عليه قوله تعالى: " فعال لما يريد " . وقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " وقوله تعالى: " والله يريد الآخرة " . وقوله تعالى: " يريد الله أن يخفف عنكم " وقد قيل في بعض الآثار: أنه تعالى يقول: يا ابن آدم؛ تريد وأريد، ولا يكون إلا ما أريد.
ويدل على أنه مريد من جهة العقل: ترتيب الأفعال واختصاصها بوقت دون وقت، ومكان دون مكان، وزمان دون زمان؛ وكذلك يدل على أنه أراد أن يكون هذا قبل هذا، وهذا بعد هذا، وهذا على صفة، والآخر على صفة غيرها، وهذا من مكان، وهذا من مكان آخر، إلى غير ذلك.
مسألة
السمع
ويجب أن يعلم: أنه سميع لجميع المسموعات، بصير لجميع المبصرات.
والدليل عليه قوله تعالى: " وهو السميع البصير " . وقوله تعالى: " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون " وقوله تعالى: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير " . وقوله تعالى: " ألم يعلم بأن الله يرى " وأيضا: فإنه لو لم يوصف بالسمع والبصر لوجب أن يوصف بضد ذلك، من الصمم والعمى، والله يتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
مسألة
الكلام
ويجب أن يعلم: أن الله تعالى متكلم، وأن كلامه غير مخلوق ولا محدث. والدليل عليه قوله تعالى: " منهم من كلم الله " وقوله تعالى: " وكلم الله موسى تكليما " وقوله تعالى: " وتمت كلمة ربك " . وقوله صلى الله عليه وسلم: فضل كلام الله على كلام الخلق كفضل الخالق على المخلوق. ولا يتصف ببداية ولا نهاية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامة العامة. ومحال أن يعوذ مخلوق بمخلوق، فثبت أنه عوذ مخلوقا بغير مخلوق، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار. ولأنه لو لم يكن متكلما لوجب أن يوصف بضد الكلام؛ من الخرس والسكوت والعي، والله يتعالى عن ذلك.
مسألة
البقاء
ويجب أن يعلم: أن الله سبحانه باق. ومعنى ذلك: أنه دائم الوجود.
والدليل عليه قوله: " ويبقى وجه ربك " يعني ذات ربك وأيضا قوله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه " يعني ذاته، ولأنه قد ثبت قدمه وما ثبت قدمه استحال عدمه.
مسألة
ويجب أن يعلم: أن الباري عالم بعلم قديم متعلق بجميع المعلومات، ولا يوصف علمه بأنه مكتسب ولا ضروري، وأنه قادر بقدرة قديمة شاملة لجميع المقدورات، مريد بإرادة قديمة متعلقة بجميع الكائنات، سميع بسمع قديم متعلق بجميع المسموعات، بصير ببصر قديم متعلق بجميع المبصرات، متكلم وكلامه قديم متعلق بجميع المأمورات والمنهيات، والمخبرات. فعلمه سبحانه وتعالى لا يوصف بالضرورة والكسب؛ لأن ذلك صفات علم الخلق. وقدرته لا توصف بالاستطاعة؛ لأن ذلك صفات الخلق، وسمعه لا يوصف بأنه يقوم بالحواس كسمع الخلق، وبصره لا يوصف بأن يقوم بالآماق كبصر الخلق، وكلامه لا يوصف بالجوارح والأدوات؛ لأن ذلك صفات كلام الخلق. بل صفات ذاته قديمة أزلية، لم يزل موصوفا بها، ولا يزال كذلك، لا تشبه بصفات المخلوقين، ولا يقال إنها هو ولا غيره، ولا صفاته متغايرة في أنفسها.
والدليل على هذه الجملة: قوله تعالى: " ليس كمثله شيء " وقوله تعالى: " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " فكما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك علمه لا يشبه علم الخلق، ولا يوصف بصفة علم الخلق، وكذلك قدرته وإرادته: لا تشبه قدرة الخلق ولا إرادتهم، ولا يوصف شيء من صفاته بصفات الخلق، فاعلم ذلك وتحققه توفق للصواب، بمشيئة الله تعالى.
Page 10