Le Coup d'État Ottoman et Turquie Jeune: Histoire la Plus Fidèle du Plus Grand Coup d'État
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Genres
اختلال المالية وإرهاق الفلاح
اختلت الموازنة المالية اختلالا عظيما، أدى بها إلى حجز نحو نصف رواتب الموظفين والعساكر ومخصصاتهم في كل سنة، واستفحل الظلم في جباية الأموال الأميرية وطرح الأعشار وتحصيل رسوم الأغنام، وتسابق الموظفون إلى المزاودة بأعشار الأقضية والألوية، وعدوا ذلك فضيلة وسببا مشروعا للمكافأة والترقي، والمكلفون من الزراع والفلاحين يئنون تحت أثقال هذه التكاليف والمظالم، ولا ناصر لهم ولا مفكر في شئونهم، وقلما كان يمر على القرية شهر من دون أن يأتيها المعشرون وجباة الأموال الأميرية، ونصيب المعارف ومصرف «بنك» الزراعة، وإدارة الرسوم الستة؛ أي الديون العمومية والإعانات المختلفة. وكان الظلم أشد على المسلمين منه على المسيحيين الذين كانوا يحتمون بأديارهم وبرؤسائهم الروحيين، ولقد سمعت كثيرا من الفلاحين أنهم اضطروا إلى بيع أراضيهم وتزويج بناتهم ليأخذوا صداقهن ويعطوا للجباة ما يطالبونهم به من الأموال الأميرية! فصار الفلاح يتجنب زراعة الأرض إلا بقدر حاجته الضرورية، ومن القواعد التي قررها الفيلسوف الشهير مونتسكيو مؤلف روح القوانين: «إن الأراضي يقل إيرادها بالنسبة إلى حرية سكانها لا بالنسبة إلى خصبها»؛ فإذا كان الفلاح حرا، عمر الأرض الموات، وجعلها خصبة بعمله وحراثته، وإذا فقد الحرية أصبحت أرضه الخصبة مواتا بسبب الظلم والاستبداد؛ وعليه فإن ما نشاهده اليوم في أوروبا من العمران، إنما هو نتيجة الحرية، فحيثما توجهت فيها لا ترى إلا مروجا نضرة وأشجارا وكروما مخضرة، وأنهارا جارية كأنها بستان عظيم ليس فيه قطعة أرض خراب، وصار رجال المابين يحرضون الولاة والمتصرفين على الإسراع بجباية الأموال والبعث بها إلى الأستانة، وكان القائمون بأدائها لا يدرون أين تنفق وكيف تصرف؛ لعدم نشر الموازنة المالية
Budget ، بخلاف إدارة الديون العمومية التي هي تحت مراقبة الأجانب ؛ فإنها في غاية الانتظام والترقي، تزيد وارداتها في كل سنة، فتدفع رواتب موظفيها ومرتبات الديون بأوقاتها المعينة، وقد حدا ذلك الدولة إلى العودة إلى الثقة المالية بها، وأصبح أصحاب الديون في أوروبا آمنين على أموالهم، ولو حدثت قلاقل في المملكة العثمانية فإن قيمة أسهم الديون لا تتنزل إلا قليلا، وإذا أردت المقايسة بين إدارة الديون العمومية وبين نظارة المالية، فانظر إلى قرية من قرى الألمان أو اليهود المستعمرين في سوريا وفلسطين، وما فيها من الانتظام والعمران والترقي، وإلى قرى الأهالي المجاورة لها، وما فيها من الفقر المدقع والخراب؛ يتضح لك الفرق بين الإدارتين.
اختلال الإدارة العسكرية بإدارة الجواسيس لها
اختلت إدارة العساكر البرية والبحرية، وأصبحت العساكر لا تمرن على التعليم الناري وإصابة الهدف، ولا تساق سوق الجيش؛ خوفا من الهيجان وحدوث الانقلاب! مع أن دول أوروبا - ولا سيما ألمانيا وروسيا والنمسا وفرنسا - تقوم جيوشهن في كل سنة بمناورات حربية، يحضرها الإمبراطور نفسه مع أولاده وأسرته وجميع ضباط السفارات الأجنبية، فيستطلعون أحوال الجند ويشوقونهم، وصار الأسطول العثماني، الذي أنفق على شرائه الملايين، كالمقعد الذي يروم النهوض ولا يقدر عليه لطول مكثه، فصدأت آلاته بسبب عدم الاستعمال والجري في البحار، واختلست أموال كثيرة من التجهيزات العسكرية، ولا سيما في تجهيز الأسطول وشراء البواخر والمدرعات، وصار الترقي في المراتب لا يبنى على القدم والاضطلاع والاستحقاق، بل على الالتماس والانتساب والرشوة، فكان الضابط يرتقي إلى المراتب العلى في أوجز مدة، وقد يكون لا يعرف للجندية معنى حتى ولا احترام من فوقه في الرتبة، وكان الضباط يبيعون رواتبهم التي تبقى دينا عند الحكومة للسماسرة بأثمان بخسة، حتى بيعت المئة قرب بأربعة قروش! وبيعت حلة «بدلة» العسكري التي تشتريها الدولة بمئات من القروش بعشرين قرشا؛ أي إن المستحق للراتب والحلة كان يوقع على الورقة المؤذنة بالوصول إليه على القاعدة والأصول، كأنه استلم الحلة من مخزن الألبسة أو قبض الراتب من صندوق الخزانة! ثم يسلمها للسمسار فيعطيه هذا في مقابلها ما يتفقان عليه، ثم يتفق السمسار مع المحاسبة جي «القائم بالحسابات» ومن فوقه ويربحون الفرق، ويقيدون ذلك في الدفاتر «وارد وصادر» كأنها جرت على القاعدة والأصول، وبهذا أصبح الضباط في حالة يرثى لها. وكنت ترى ضباط البحرية، البالغ عددهم نحو ستة آلاف، في قهوات الأستانة خلوا من العمل يتجولون في شوارعها وحاراتها!
اشتبهت الإدارة المستبدة في أمراء العسكرية، الذين تعلموا في أوروبا وخدموا الأمة والوطن، وصارت لهم ملكة ومعرفة تامة بأحوال الزمان، فأبعدتهم عن الأستانة وأشغلتهم بالوظائف الثانوية، بداعي ميلهم إلى الأفكار الحرة وإعادة القانون الأساسي، ولقد بلغ عدد الراجعين منهم إلى الأستانة بعد حدوث الانقلاب ستين شخصا من الباشوات وأمراء العسكرية وخمسمائة ضابط، ومنهم: رجب باشا، وفؤاد باشا الشهير، وناظم باشا؛ وهو صهر عالي باشا. وأصبحت قيادة العساكر وإدارة المدارس العسكرية بأيدي أناس لا كفاءة لهم، وليس لهم إلا التجسس على أصحاب الأفكار النيرة وإبعادهم عن مركز الإدارة، وكانوا يعدون ذلك خدمة لمنافع السلطنة والمحافظة على الخلافة الإسلامية! فأصبح للتجسس والمراقبة دائرة من أعظم دوائر الدولة، لها مراكز وشعب كثيرة ومعاشات وافرة غير الإحسانات والإنعامات! فكان الجواسيس ينظمون التقارير في كل حادثة ومسألة صغيرة كانت أو كبيرة، ويختلقون المسائل ويفترونها ويصورونها في قوالب مستحيلة، ينبذها العقل ويأباها أولو النظر الصحيح والوجدان السليم، وما ذلك إلا لإظهار خدمهم وإثبات تيقظهم ومغالبتهم لنيل المكافأة، والمابين لا يكل من تحقيق مضمون هذه التقارير لعله يجد في مائة كاذبة واحدا صحيحا، فإذا قالوا: «فلان له قصد سيئ بالخليفة»، أو «له مخابرة مع حزب تركيا الفتاة»، أو «عنده أوراق ضارة»؛ كانت كل واحدة من هذه التهم كافية للدمور على منزله وتفتيش أوراقه وهتك حرمته، ثم نفيه أو حبسه أو عزله وإبعاده، فكانت شبههم هذه تدور على حدوث المؤامرة ضد الذات الملوكية والمس بحقوق الخلافة الإسلامية، على أنهم لم يتخذوا في الحقيقة سياسة إسلامية، وهي المعبر عنها عند الإفرنج بقولهم: «بان إسلاميزم
» كما توجد سياسة سلافية «بان سلافيزم
» وسياسة جرامانية «بان جرامانيزم
». ولا تجد في دوائر الدولة كلها قلما مخصوصا للمصالح الإسلامية ، كما يوجد في باريس وبرلين وبطرسبرج أقلام ودوائر خاصة بدرس المسائل الإسلامية درسا تاريخيا علميا؛ للوقوف على أفكار المسلمين وهيئتهم الاجتماعية، وعلى أحوال العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها؛ ليكون الوزراء والموظفون على بصيرة ويقين من حقائق هذه المسائل الحيوية الاجتماعية، فقصدهم من السياسة الإسلامية إنما هو أكل الحيات! والتظاهر بالكرامات! والتكبر على الناس، والتشبه ببني العباس.
لم تباشر الحكومة أمرا جديا لعمران البلاد واستخراج ثروتها الطبيعية والسير بها في معارج التمدن والرفاه، وتعليم رعاياها أصول الزراعة والتجارة وعقد الشركات والتعاون على ما فيه نفع البلاد، بل عاكست جميع المشروعات الوطنية؛ فكانت لا تمكن من فتح المدارس الخصوصية أو تعليم الأولاد، ولا سيما المسلمين في المدارس والبلاد الأجنبية، وحظرت تأسيس الجمعيات، وأطفأت حمية أرباب الهمم تذرعا بأنها تؤدي إلى الثورة والانقلاب! فكم نظر الولاة والمتصرفون شزرا إلى مدرسة وطنية أسسها الفرد، أو إلى مدرسة سلطانية أسستها الجماعة، أو إلى شركة صناعية أو مالية عقدها الأهالي، وسرعان ما كانت تتعطل ويمحى أثرها! وكم منعوا الآباء من إرسال أولادهم إلى المدراس الأجنبية أو إلى مدارس أوروبا! وكم اضطهدوهم من أجل ذلك!
Page inconnue