Le Coup d'État Ottoman et Turquie Jeune: Histoire la Plus Fidèle du Plus Grand Coup d'État
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Genres
فمحا كلمة «سابق»؛ لأن صفة المبعوثية إنما هي بإرادة الأمة وانتخابها، فهي لا تزول عن صاحبها إلا بانتخاب آخر، ومجلس المبعوثان لم يلغ إلغاء وإنما عطل إلى أجل غير محدود، فكان اجتماعه في كل سنة من قبيل الممكنات الجائزة عقلا ونظاما، ولكن أكثر المبعوثين تناسوا وظيفتهم كأنها وظيفة حقيرة لا يؤبه لها وقد عزلوا منها ولم يجسر أحد على ذكرها في ترجمة حاله الرسمية، ولم يذكرهم بها مذكر ولا وعظهم واعظ! ولا حررت في هذا الموضوع جريدة من جرائد المملكة العثمانية.
إن لهذا السكوت والاستخذاء أسبابا كثيرة: منها أن الحرية أمر تستحوذ عليه الأمة بالغلبة والاستيلاء، وليست مما ينعم به إنعاما أو تعطى جزافا، ولقد كانت الأمة حينئذ منهوكة القوى مكسورة الجناح بسبب الحرب، لا دار إلا وفيها مأتم، ولا أسرة إلا وقد أصابتها مصيبة، وزاد البلاء بسبب البحران المالي، ونزول قيمة المسكوكات «النقود»، فكانت الأسرة تبعث خادمها إلى السوق ليشتري القوت الضروري، فيعود إليها خاوي الوفاض لعدم رواج النقود، فتطوي على الجوع وتتفتت أكباد الوالدين لبكاء أطفالهم، ثم إن الأمة هي عبارة عن أهل العاصمة منع الاستبداد وأهالي الولايات والقرى، والعساكر المنظمة، المدربة على الحرب المسلحة بالأسلحة الجديدة والمدافع، فأما أهل الأستانة - ولا سيما المسلمون - فإنه لا يتصور قيامهم لطلب الحرية لأن جلهم - إن لم نقل كلهم - موظفون أو عائشون في ظل الموظفين، والعساكر المسلحون واقفون لهم ولأهل الولايات بالمرصاد، وقادرون على إخماد نار أية ثورة أو مظاهرة، وأن قيام طائفة مسيحية وحدها لطلب الحرية مما لا يرضى به المسلمون ولا بقية الطوائف المسيحية أو اليهودية، كما شاهدنا ذلك في أرمينيا ومقدونيا التي اشتدت فيها المناقشة بين الروم والبلغار والصرب والرومان، كما أن العساكر وحزب الأحرار العقلاء لا يرضون به؛ لأن قيام كل ملة على انفراد يقضي بتقسيم الممالك وتفريقها وضعفها، وإثارة أضغان العداوة الموروثة من الحروب الصليبية والقرون المتوسطة المظلمة، على أن هذا القيام كان مصدره الكنائس والأديار بإيعاز الرهبان والقسيسين والمبشرين والمرسلين، فكان سببا لإيجاد المذابح والفظائع ومداخلة الأجانب.
أما حزب تركيا الفتاة الذي أسسه مصطفى فاضل باشا وخليل شريف باشا، فإنه لم يكن في عهد مدحت باشا إلا فئة قليلة من صغار الموظفين وضباط العساكر والمتعلمين في المدارس الجديدة، والذين درسوا شيئا من اللسان الفرنسي أو الإنجليزي، واشتهروا باسم «إنجلز» لتعلمهم الإنجليزية فقط، مثل: إنجلز سعيد باشا، إنجلز كريم أفندي، إنجلز علي بك والد أحمد رضا بك روح هذا الانقلاب، أو الذين أصلهم من الأوروبيين فأسلموا ودخلوا في الوظائف، مثل عمر باشا المجري، ونوري بك ابن المركي دوشاتونيف الفرنسي، وكثير غيرهما، أو الذين تزوجوا بنسوة أوروبيات وربوا أولادهم تربية إفرنجية أو غير ذلك، فكانت هذه الفئة متحدة الفكر في إعجابها بالمدنية الأوروبية وميلها إليها، ولم تكن لهم جمعية ولا رابطة غير الرابطة المعنوية الفكرية؛ لأنهم من موظفي الحكومة، والوظائف تضطرهم إلى إخفاء الرأي وإطاعتهم لآمريهم إطاعة يفرضها العقل والسياسة، وإلا كانت الأمور فوضى، ولكن الجامدين من المسلمين لم يفرقوا بين الدين المسيحي والمدنية الأوروبية، واعتبروا كل إصلاح صدر من أوروبا المسيحية مخالفا للدين والآداب الإسلامية، وشتان ما بين المدنية «الأوروبية» والدين المسيحي.
سعاوي أفندي وحادثة جراغان
على أن بعض المتطرفين من حزب تركيا الفتاة ثاروا بزعامة علي سعاوي أفندي، وكان من طلاب العلم المعروفين بالصوفتاوات، مطلعا على العلوم العربية والفنون والرياضة، وواقفا على الأفكار الجديدة، نفي في أيام السلطان عبد العزيز وصدارة عالي باشا، وفر إلى باريس ولوندره ونشر ثمة الرسائل والمقالات، وكان ينفق على نفسه فيهما مما ينفحه به رجال الأستانة، ثم عاد إليها، وصار من حزب مدحت باشا أنصار القانون الأساسي، وعين مديرا للمكتب السلطاني ثم عزل، فاتفق مع صالح بك الأرناؤوط - أحد الضباط - وجمعا فئة من المهاجرين، فكانوا زهاء مائة رجل، وهجموا على سراي جراغان لإخراج السلطان مراد منها ومبايعته، واسترداد الحرية والقانون الأساسي، ففاجأتهم العساكر بالسلاح فشتت شملهم، وكانت هذه الحادثة في 13 مايس/مايو سنة 1887 زمن رياسة صادق باشا لمجلس الوكلاء.
صدارة رشدي وصفوت وخير الدين التونسي
لبث أحمد وفيق باشا «باش وكيل» لمجلس الوكلاء مدة قليلة، ثم وجهت إلى صادق باشا فبقي فيها تسعين يوما، ثم استبدلت الصدارة «بالباش وكالة» وعين فيها رشدي باشا ودام فيها ثمانية أيام، ثم عين لها صفوت باشا ناظرا للخارجية، فاكتسب فيها ثقة الحضرة السلطانية ولم تطل فيها مدته، وعين لها خير الدين باشا الجركسي الأصل والتونسي النشأة، وهو مؤلف التاريخ العربي «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك»، وله وقوف على العلوم العربية وعلى الفرنسية، وتجول في ممالك أوروبا، وقد طلب منها في سنة 1294ه، كما طلب السيد جمال الدين الأفغاني وغيره، وعين رئيسا لشورى الدولة، ثم «صدر أعظم» سنة 1295، وبقي في الصدارة ثمانية أشهر، ثم استقال وبقي جليس بيته إلى أن توفي سنة 1307 في الأستانة، فكان في طلبه وتوظيفه شبه ميل إلى سياسة الجامعة الإسلامية
panislamiseme ، ولكن هذه السياسة لها معنيان: المعنى القديم الاستبدادي الذي مشى عليه خلفاء بني أمية والعباسيون، وهو مخالف لحقيقة الإسلام، ومناف لروح العصر الجديد والمدنية الحاضرة. والمعنى الحديث وهو يوافق أصل الإسلام والمدنية، ولكنه يخالف مسلك المستبدين بالأمر، ويحول بينهم وبين مآربهم، وهو أشد وطأة عليهم من القانون الأساسي وحزب تركيا الفتاة.
صدارة كجوك سعيد باشا وأعماله
ثم عين لمسند الصدارة سعيد باشا، المشهور بسعيد باشا الصغير «كجوك سعيد»؛ تمييزا له عن سميه ناظر الداخلية الكردي الأصل، والمتوفى قبل بضع سنين، وكان سعيد باشا الصغير محررا في جريدة «حوادث»، فاتصل بالداماد محمود جلال الدين باشا ودخل بوساطته المابين وصار باشكاتب له، وهو المتسبب في إبعاد مدحت باشا وتعطيل أحكام القانون الأساسي، وإعلان الحرب، وعزل القائد «السردار» عبد الكريم باشا وإخلائه موقع «بيله» أمام بلفنا، ومداخلة المابين في إدارة جميع الشئون العسكرية، وإصدار الأمور من السراي السلطانية أثناء الحرب، وتقسيم المملكة العثمانية في معاهدة سان ستفانو التي نقحتها معاهدة برلين ... إلخ، فإن الإرادات السنية في جميع ذلك كانت تصدر برأي سعيد بك باشكاتب المابين وتوقيعه، ولهذا كان مبغوضا من حزب تركيا الفتاة؛ لأنه كان آلة وعونا على الاستبداد، وعلى إدارة المصالح من دون رأي الباب العالي، مع أن باشكاتب المابين كان لذلك العهد ينتخب من قبل الصدارة العظمى، وكان الصدور لا ينتخبون لهذه الوظيفة إلا الذي يعتمدون عليه لعرض المضابط والمقررات والإنهاءات «المطالب» واستصدار الإرادات السنية بها، ولم يكن للباشكاتب نفوذ معارض لنفوذ الباب العالي صاحب التقاليد والأصول المرعية في إدارة المملكة، ولا سيما في أيام رشيد باشا وفؤاد باشا وعالي باشا، فلما توفي عالي باشا وتولاها محمود نديم تدنت أهميتها بسبب نفاقه وتملقه للمابين وتقديمه أموال الخزينة إليه بغير عد ولا حساب، ولما ولي سعيد باشا الباشكتابة زالت مكانة الصدارة البتة، وانحصرت الأعمال والإدارة في المابين، وصار للباشكاتب نفوذ يمكنه أن يطلب مدحت باشا الصدر الأعظم إلى المابين ويبلغه الإرادة القاضية بنفيه على الباخرة عز الدين!
Page inconnue