وقال المَقَّرِيُّ: "وأمَّا حالُ أهلٍ الأندلسِ في فنون العلومِ؛ فتحقيقُ الإنصافِ في شأنِهم في هذا البابِ أنَّهم أحرَصُ الناس عليَّ التَّمَيُّزِ، فالجاهِلُ الذي لَم يوفِّقه اللهُ للعلمِ يَجْهَدُ أن يَتَمَيَّزَ بصَنعَةٍ، وَيَرْبأ بنفسه أن يُرى فارِغًا عَالَةً على النَّاسِ، والعالِمُ عندهم مُعَظَّمٌ مِن الخاصَّةِ والعامَّةِ، يُشار إليه ويُحال عَليه، ويَنْبُهُ قَدْرُه وذِكرُه عند النَّاسِ، ويُكرَمُ في جوارٍ أو ابْتِياع حاجَةٍ، وما أشبَهَ ذلك، ومع هذا فَلَيْسَ لأهلِ الأندلسِ مدارس تعِينهُم على طَلَب العلمِ، بل يقرؤون جميعَ العلومِ في المساجدِ -إلى أن قال-: وقراءة القرآن بالسَّبع، وروايةُ الحديث عندهم رَفيعةٌ، وللفقهِ رَوْنَقٌ وَوَجاهَةٌ، ولا مذهب لَهم إلا مذهبُ مالكٍ، وخواصُّهم يَحفظونَ مِن سائِرِ المذاهِبِ ما يُباحثون به بمَحَاضِر مُلوكِهم ذوي الهِمَمِ في العلوم .. ". اهـ كلامه ﵀ (١).
ولا زالَ علماءُ الأندلسِ والمغربِ لَهم أَتَمُّ عِنايةٍ بروايةِ الموطَّأ ومعرفتِه وتَحصيلِه، وألَّفوا فيه تآليفَ متَنوِّعةً، فعَمِل يحيى بنُ مُزَينٍ كتابَ تفْسير الموطأ، والمستقصية لمعاني الموطأ وتوصيل مقطوعاته، وكتابًا في رجال الموطأ، ولأبي الوليد الباجي كتابُ الإيماء، والمنتقى، والاستيفاء، كلُّها على الموطأ، ولأبي بكر بن العربي القبس، والمسالك شرحان على موطأ مالك بن أنس، ولأبي عمر الطلمنكي شرحُ مسند الموطأ، ولابن عبد البر التميهد، والاستذكار، والتجريد، ولابن الحذاء التعريف بمن ذكر في الموطأ من الرجال والنساء، ولعبد الملك بن حبيب تفسير الموطأ، وللوقَّشي تعليق على الموطأ، ولمحمد بن عيشون: توجيه الموطأ.
_________
(١) نفح الطيب (١/ ٢٢٠).
1 / 11