ومؤلفاتُ الأندلسيين على الموطأ لا تَكاد تُحصَر، ومِن بين علماءِ أهلِ الأندلسِ الذين تَولَّوا شرحَ الموطأ شرحًا مختصرًا، الإمامُ العالِم المحدِّث الفقيهُ أبو العباس أحمد بنُ طاهر بن عيسى الداني، الأنصاري الخزرجي الأصل المولودُ سنة سبع وستين وأربعمائة، والمتوفى سنة اتنتين وثلاثين وخمسمائة، شَرَحَ موطأَ مالكٍ في كتابٍ سماه: الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ، رتَّبَه على تَرتِيبِ كتب الأطراف، فذَكَرَ الصحابةَ ﵃ مُبتدئًا بِحرف الألف، وخَتَمَ كتابَه بالمراسيل، ذَكَر أحاديثَهم وبَيَّنَ مَواضِعَها من الموطأ بذِكْرِ الكتابِ أو الباب، ولم يُخلِ كتابَه من الفوائِد العلميةِ الكثيرة، فقد رَاعَى فيه الصِّناعةَ الحديثية، ببيان عِلَلِ الحديث، واختلاف الرواةِ على مالك، وكذا مخالفةِ الرواة لمالك، وصَحَّحَ وعلَّلَ، وصَوَّبَ وخَطَّأَ، ونَقَلَ عن أئمة العِلَلِ كعليِّ بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والدارقطني، وسَمَّى كتبًا بعضُها موجودٌ، وبعضُها مفقودٌ، مراعيًا في كلُّ ذلك الضوابطَ العِلميَّةِ، وبَيَّنَ كذلك ما اشتملتْ عليه روايةُ يحيى الليثي من تَحريفٍ وتَصحيفٍ وأخطاءٍ وقع فيها يحيى بمقارَنَتِها مع الروايات الأخرى، وبَيَّنَ زوائدَ تلك الرواياتِ على رواية يحيى، إلى غيرِ ذلك من الفوائدِ العظيمةِ الموجودةِ في كتابِه.
ولَمَّا وَقَعَ نظرنا على هذا الكتابِ الفَذِّ في بابه لَم نتَرَدَّد في العملِ فيه وتَقْدِيمه رسالةً لنيلِ درجة العالَمية الماجستير، وكان الفضلُ في ذلك بعد الله ﷿ للشيخ الدكتور عبد الصمد بن بكر عابد، الذي أَطْلَعَنا على هذا الكتابِ، وحَفَّزَنا للاشتغَال فيه وتَحقيقِه، مع أنه قام بتحقيقِ جزءٍ منه، فجزأه الله عنَّا كلَّ خيرٍ وأجْزَلَ له المثوبةَ في االدُّنيا والآخرة.
1 / 12